{فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} الاستجابةُ بمعنى الإجابة وقال تاجُ القراء الإجابة عامةٌ والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول وتتعدى باللام وبنفسها كما في قوله ... فلم يستجبْهُ عند ذاك مُجيبُ ...
وهو عطفٌ على الاستئنافِ المقدَّرِ فيما سلف مترتبٌ على ما في حيِّزِه من الأدعية كما أن قوله عز وجل ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ الخ عطفٌ على قيل المقدَّرِ قبل الآنَ أي قيل لهم آلآْنَ آمنتم به ثم قيل الآية وكما أن قوله تعالى في سُورة الاعراف على قُلُوبِهِمْ معطوفٌ على ما دلَّ عليه معنى أَوَ لَمْ يَهْدِ الخ كأنه قيل يغفُلون عن الهداية ونطبع ونطيع الخ ولا ضيرَ في اختلافهما صيغةً لما أن صيغةَ المستقبلِ هناك للدِلالة على الاستمرار المناسبِ لمقام الدعاء وصيغة الماضي ههنا للإيذان بتحقق الاستجابةِ وتقرّرِها كما لا ضير في الاختلاف بين قوله تعالى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ وبين ما عُطف عليه من قوله تعالى فاستجاب لَكُمْ كما سيأتي ويجوزُ أنْ يكونَ معطوفاً على مضمَرٍ ينساق إليه الذهنُ أي دَعَوا بهذه الأدعيةِ فاستجاب الخ وأما على تقرير كونِ المقدرِ حالاً فهو عطفٌ على يتفكرون باعتبار مقارنتِه لما وقع حالاً من فاعله أعني قوله تعالى ربنا ربنا الخ فإن الاستجابةَ مترتبةٌ على دَعَواتهم لا على مجرد تفكّرِهم وحيث كانت هي من أوصافهم الجميلةِ المترتبةِ على أعمالهم بالآخرة استحقت الانتظامَ في سلك محاسِنهم المعدودةِ في أثناء مدحِهم وأما على تقدير كون الموصول نعتا لأولي الألباب فلا مَساغَ لهذا العطفِ أصلا لما عرفتَ من أنَّ حقَّ مَا في حيِّز الصلةِ أن يكون من مبادي جَرَيانِ الحُكمِ على الموصول وقد عرفت أن دَعَواتِهم السابقةَ ليست كذلك فأين الاستجابةُ المتأخرةُ عنها وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئةِ عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميرهم من تشريفهم واظهار اللطف بهم مالا يخفى
{أَنّى لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} أي بأني وهكذا قرأ أُبيٌّ رضي الله عنه والباءُ للسببية كأنه قيل فاستجاب لهم ربُّهم بسبب لأنه لا يُضيع عملَ عامل منهم أي سُنّتُه السنيةُ مستمرَّةٌ على ذلك والالتفاتُ إلى التكلم والخطابُ لإظهار كمالِ الاعتناءِ بشأن الاستجابةِ وتشريفِ الداعين بشرف الخطاب والمرادُ تأكيدُها ببيان سببها والإشعارُ بأن مدارَها أعمالهم التي قدموها على الدعاء لا مجردُ الدعاءِ وتعميمُ الوعدِ لسائر العاملين وإن لم يبلُغوا درجةَ أولي الألبابِ لتأكيد استجابةِ الدعواتِ المذكورةِ والتعبيرُ عن ترْك الإثابةِ بالإضاعة مع أنه ليس بإضاعة حقيقية إذ الأعمالُ غيرُ موجبةٍ للثواب حتى يلزَم من تخلفه