{بديع السماوات والارض} أي مُبدِعُهما ومخترِعُهما بلا مثالٍ يَحتذيه ولا قانونٍ ينتجه فإن البديعَ كما يُطلقُ على المبتدِع يُطلق على المبدع نصَّ عليه أساطينُ أهل اللغة وقد جاء بَدَعَه كمنعه بمعنى أنشأه كابتدعه كما ذُكر في القاموس وغيرِه ونظيرُه السميعُ بمعنى المسمِع في قوله أَمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعي السميعُ وقيل هو من إضافة الصفةِ المشبّهةِ إلى فاعلها للتخفيف بعد نصبه على تشبيهها باسم الفاعِلِ كما هو المشهورُ أي بديعُ سمواتِه من بَدَع إذا كان على شكل فائقٍ وحُسْنٍ رائق وهو حجة أخرى لإبطال مقالتِهم الشنعاءِ تقريرُها أن الوالدَ عنصرُ الولدِ المنفعل بانفصال مادته عنه والله سبحانه مُبدعُ الأشياء كلِّها على الإطلاق منزَّه عن الانفعال فلا يكون والداً ورفعُه على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف أي هو بديعُ الخ وقرئ بالنصبَ على المدح وبالجرِّ على أنه بدلٌ من الضمير في له على رأي من يجوز الإبدالَ من الضمير المجرور كما في قوله ... على جودِه لَضَنَّ بالماء حاتِمُ ...
{وَإِذَا قضى أَمْرًا} أي أرادَ شيئاً كقوله تعالى إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً وأصلُ القضاءِ الإحكام أطلق على الإرادة الإلهية المتعلقة بوجود الشئ لإيجابها إياه البتة وقيل الأمر ومنه قوله تعالى {وقضى رَبُّكَ} الخ
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيكون} كلاهما من الكون التام أي أحدث فيحدث وليس المرادُ به حقيقةَ الأمرِ والامتثال وإنما هو تمثيلٌ لسهولة تأتّي المقدورات بحسَب تعلّقِ مشيئتِه تعالى وتصويرٌ لسرعة حدوثِها بما هو عَلَمٌ في الباب من طاعة المأمورِ المطيعِ للآمر المطاعِ وفيه تقريرٌ لمعنى الإبداع وتلويحٌ لحجة أخرى لإبطال ما زعموه بأن اتخاذَ الولدِ شأنُ مَن يفتقرُ في تحصيل مرادِه إلى مباد يستدعي ترتيبُها مرورَ زمانٍ وتبدلَ أطوارٍ وفعلُه تعالى متعالٍ عن ذلك