{هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء} تنبيهٌ على الاستدلال على وجوده تعالى ووَحدتِه وعلمه وقدرته وحمكته بآثار صُنعِه في النّيِّريْن بعد التنبيه على الاستدلال بما مر من إبداع السمواتِ والأرضِ والاستواءِ على العرش وغيرِ ذلك وبيانٌ لبعض أفرادِ التدبيرِ الذي أشير إليه إشارةً إجماليةً وإرشادٌ إلى أنه حيث دبّرت أمورُهم المتعلقة بمعاشهم هذا التدبيَر البديعَ فلأن يدبّرَ مصالحَهم المتعلقةَ بالمعاد بإرسالِ الرسولِ وإنزالِ الكتابِ وتبيينِ طرائقِ الهدى وتعيينِ مهاوي الردى أولى وأحرى والجعلُ إن جُعل بمعنى الإنشاءِ والإبداعِ فضياءً حالٌ من مفعولِهِ أي خلقها حالَ كونِها ذاتَ ضياءٍ على حذف المضافِ أو ضياء محضا للمابلغة وإن جعل بمعنى التصيير فهو مفعولُه الثاني أي جعلها ضياءً على أحدِ الوجهينِ المذكورينِ لكنْ لا بعدَ أنْ كانت خاليةً عن تلك الحالةِ بل أبدعها كذلكَ كما في قولِهم ضيِّقْ فمُ الرَّكيَّةِ ووسِّعْ أسفلها والضياءُ مصدرٌ كقيام أو جمعُ ضوءٍ كسياط وسَوْط وياؤه منقلبة من الواو لانكسار ما قبلها وقرىء ضِئاء بهمزتين بينهما ألفٌ بتقديم اللَاّمِ على العينِ
{والقمر نُوراً} الكلامُ فيه كالكلام في الشمس والضياءُ أقوى من النور وقيل ما بالذات ضوءٌ وما بالعرَض نور ففيه إشعارٌ بأن نورَه مستفادٌ من الشمس
{وَقَدَّرَهُ} أي قدّر له وهيأ
{مَنَازِلَ} أو قدّر مسيرَه في منازلَ أو قدره ذا منازلَ على تضمين التقديرِ معنى التصييرِ وتخصيصُ القمر بهذا التقديرِ لسرعة سيرِه ومعاينةِ منازِله وتعلقِ أحكامِ الشريعة به وكونِه عمدةً في تواريخ العرب وقد جُعل الضميرُ لكل منهما وهي ثمانيةٌ وعشرون منزلاً ينزل القمرُ كلَّ ليلةٍ في واحدٍ منها لا يتخظاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ لا يتفاوت يسير فيها من ليلة المستهلِّ إلى الثامنة والعشرين فإذا كان في آخرِ منازلِه دقّ واستقوس ثم يستسرّ ليلتين أو ليلةً إذا نقص الشهرُ ويكون مقامُ الشمس في كل منزلةٍ منها ثلاثةَ عشرَ يوماً وهذه المنازلُ هي مواقعُ النجومِ التي نسَبت إليها العربُ الأنواءَ المستمطَرةَ وهى الشرطان والبطينُ والثريا الدبَرانُ الهقعةُ الهنعةُ الذراعُ النثرةُ الطرفُ الجبهةُ الزبرةُ الصّرفةُ العواءُ السِّماكُ الغفرُ الزباني الإكليلُ القلبُ الشوْلةُ النعائمُ البلدةُ سعدُ الذابحُ سعدُ بلَع سعدُ السعودِ سعدُ الأخبيةِ فرغُ الدلوِ المقدَّم فرغُ الدَّلوِ المؤخّرُ الرَّشا وهو بطن الحوت
{لّتَعْلَمُواْ} إما بتعاقب الليلِ والنهارِ المنوطَين بطلوع الشمسِ وغروبِها أو باعتبار نزولِ كلَ منهما في تلك المنازل
{عَدَدَ السنين} التي يتعلق بها غرض علمي لإقامة مصالحكم الدينية والدنيوية
{والحساب} أي حسابَ الأوقاتِ من الأشهر والأيام والليالي وغيرِ ذلك مما نيط به شيء من المصالح المذكورةِ وتخصيصُ العدد بالسنين والحسابِ بالأوقات لما أنه لم يُعتبرْ في السنينَ المعدودةِ معنى مغايرٌ لمراتب الأعداد كما اعتُبر في