{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} وهم المنافقون القائلون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا وإنما ذُكر في صدر الصلةِ كفرُهم تصريحاً بمباينة حالِهم لحال المؤمنين وتنفيراً عن مماثلتهم آثِرَ ذي أثيرٍ وقولُه تعالى
{وَقَالُواْ لإخوانهم} تعيينٌ لوجه الشبهِ والمماثلةِ التي نُهوا عنها أي قالوا لأجلهم وفي حقهم ومعنى أُخوّتِهم اتفاقُهم نسباً أو مذهباً
{إِذَا ضَرَبُواْ فِى الارض} أي سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرِها وإيثارُ إذا المفيدةِ لمعنى الاستقبالِ على إذا المفيدة المعنى لحكاية الحالِ الماضيةِ إذِ المرادُ بها الزمانُ المستمرُّ المنتظمُ للحال الذي عليه يدورُ أمرُ استحضارِ الصورة قال الزجاج إذا ههنا تنوبُ عما مضى من الزمان وما يُستقبل يعني أنها لمجرد الوقتِ أو يُقصد بها الاستمرارُ وظرفيتُها لقولهم إنما هي باعتبار ما وقع فيها بل التحقيقُ أنها ظرفٌ له لا لقولهم كأنه قيل قالوا لأجل ما أصاب إخوانَهم حين ضربوا الخ
{أَوْ كَانُواْ} أي إخوانُهم
{غزى} جمعُ غازٍ كعُفّىً جمعُ عافٍ قال ... ومُغْبّرةِ الآفاقِ خاشعةِ الصُّوى ... لها قلب عفى الحياض أجون ...
وقرئ بتخفيف الزاي على حذف التاء من غُزاة وإفرادُ كونِهم غُزاةً بالذِّكرِ مع اندراجِه تحتَ الضربِ في الأرض لأنه المقصودُ بيانُه في المقام وذكرُ الضربِ في الأرض توطئةٌ له وتقديمُه لكثرة وقوعِه على أنه قد يوجد بدون الضربِ في الأرض إذ المرادُ به السفرُ البعيدُ وإنما لم يقل أو غَزَوْاً للإيذان باستمرار اتصافِهم بعنوان كونِهم غزاةً أو بانقضاء ذلك أي كانوا غزاة فيما مضى وقولُه تعالى
{لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا} أي مقيمين
{مَا مَاتُواْ وَمَا قتلوا} مفعول لقالوا ودليل على أن هناك مضمَراً قد حُذف ثقةً به أي إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزّاً فقُتلوا وليس المقصودُ بالنهي عدمَ مماثلتِهم في النطق بهذا القولِ بل في الاعتقاد بمضمونه والحُكمِ بموجبه كما أنه المنكرُ على قائليه ألا يُرى إلى قوله عز وجل
{لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ} فإنه الذي جُعل حسرةً فيها قطعاً وإليه أشير كما نقل عن الزجاج أنه إشارةٌ إلى ظنهم أنهم لو لم يحضُروا القتالَ لم يُقتلوا وتعلّقُه بقالوا ليس باعتبار نطقِهم بذلك القولِ بل باعتبار ما فيه من الحكم والاعتقاد واللام