{وانطلق الملأ مِنْهُمْ} أي وانطلقَ الأشرافُ من قريشٍ عن مجلسِ أبي طالبٍ بعد ما بكَّتهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالجوابِ العتيدِ وشاهدُوا تصلُّبَه صلى الله عليه وسلم في الدِّينِ وعزيمتَه على أنْ يُظهره على الدِّينِ كلِّه ويئسُوا ممَّا كانُوا يرجونَه بتوسطِ أبي طالبٍ من المصالحةِ على الوجِه المذكورِ {أَنِ امشوا} أي قائلين بعضِهم لبعضٍ على وجهِ النَّصيحةِ امشُوا {وَاْصْبِرُواْ على آلهتكم} أي واثبتُوا على عبادتِها متحمِّلين لما تسمعُونه في حقِّها من القدحِ وأنْ هي المفسِّرةُ لأنَّ الانطلاقَ عن مجلسِ التقاولِ لا يخلُو عن القولِ وقيل المرادُ بالانطلاقِ الاندفاعُ في القولِ وامشُوا من مشتِ المرأةُ إذا كثرتْ ولادتُها ومنه الماشيةُ للتفاؤلِ أي اجتمعوا وكثروا وقرئ امشُوا بغير أنْ على إضمار القول وقرئ يمشُون أنِ اصبرُوا {إِنَّ هذا لَشَىْء يُرَادُ} تعليلٌ للأمرِ بالصَّبرِ أو لوجوبِ الامتثالِ بهِ أي هذا الذي شاهدناهُ من محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من أمرِ التَّوحيدِ ونفي آلهتنا وإبطال امرها لشئ يُراد أي من جهتِه صلى الله عليه وسلم إمضاؤُه وتنفيذُه لا محالةَ من غير صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لاقول يقال من طرفِ اللِّسان أو أمر يُرجى فيه المسامحةُ بشفاعةٍ أو امتنانٍ فاقطعُوا أطماعَكم عن استنزالِه من رأيهِ بوساطة أبي طالب وشفاعته وحسبكم أن لا تمنعوا من عبادةِ آلهتكم بالكلية فاصبروا عليها وتحمَّلوا ما تسمعونَه في حقِّها من القدحِ وسُوءِ القالةِ وقيل إنَّ هذا الأمر لشئ يريده الله تعالى ويحكم بإمضائِه وما أرادَ الله كونَه فلا مردَّ له ولا ينفعِ فيه إلَاّ الصَّبرُ وقيل إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدَّهرِ يُراد بنا فلا انفكاكَ لنا منه وقيل إنَّ دينَكم لشئ يُراد أي يُطلب ليؤخذَ منكم وتُغلبوا عليه وقيل إنَّ هذا الذي يدَّعيهِ من التَّوحيدِ أو يقصدُه من الرِّياسةِ والتَّرفعِ على العرب والعجم لشئ يُتمنَّى ويرُيده كلُّ أحدٍ فتأمَّل في هذه الأقاويلِ واخترْ منها ما يساعدُه النظم الجليلُ