{رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} نُصب على المدحِ أو بإضمار أرسلنا أو على الحال بأن يكون رسلاً موطئاً لما بعده أو على البداية من رُسلاً الأولِ أي مبشرين لأهل الطاعةِ بالجنة ومنذرين للعُصاة بالنار
{لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ} أي مَعذرةٌ يعتذرون بها قائلين لَوْلا أرسلتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فيبينَ لنا شرائعَك ويعلمنا مالم نكن مالم نكن نعلم من أحكامك لقصور القوةِ البشريةِ عن إدراك كلياتِها كما في قوله عز وجل وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبع آياتك الآية وإنما سُمِّيت حجةً مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجةٌ في فعل من أفعاله بل له أن يفعلَ ما يشاءُ كما يشاءُ للتنبيه على أن المعذرةَ في القَبول عنده تعالى بمقتضى كرمِه ورحمتِه لعباده بمنزلة الحجةِ القاطعةِ التي لا مرد لها ولذلك قال تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً قال النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم ما أحدٌ أغيرُ مِنَ الله تعالى ولذلك حرَّم الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطن وما أحدٌ أحبُّ إليه المدحُ من الله تعالى ولذلك مدح نفسَه وما أحدٌ أحبُّ إليه العذر من الله تعالى ولذلك أرسلَ الرسلَ وأنزلَ الكتُب فاللامُ متعلقةٌ بأرسلنا وقيل بقوله تعالى مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وحجةٌ اسمُ كان وللناس خبرُها وعلى الله متعلقٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من حجة كائنةً على الله أو هو الخبرُ وللناس حالٌ على الوجه المذكور ويجوز أن يتعلق كلٌّ منهما بما تعلقَ به الآخرُ الذي هو الخبرُ ولا يجوز التعلقُ بحجة لأن المعمول المصدر لا يتقدم عليه وقوله تعالى
{بَعْدَ الرسل} أي بعد إرسالِهم وتبليغِ الشرائعِ إلى الأمم على ألسنتهم متعلقٌ بحجة أو بمحذوف وقع صفة لها لأن الظروف يوصف بها الأحداثُ كما يُخبر بها عنها نحو القتالُ يومُ الجمعة
{وَكَانَ الله عَزِيزاً} لا يغالَب في أمرٍ من أمورِه ومن قضيته الامتناعُ عن الإجابة إلى مسألة المتعنّتين
{حَكِيماً} في جميع أفعالِه التي من جملتها إرسالُ الرسلِ وإنزالُ الكتبِ فإن تعدد الرسل والكتب واختلافها في كيفية النزولِ وتغايُرَها