بزمانه كما سيجيء فلا تضعوا موضعَ ما يُتوقّع منكم ويجب عليكم مالا يُتوهم صدورُه عنكم من كونكم أولَ كافر به ووقوع أول كافر به خبراً من ضمير الجمع بتأويل أولِ فريق أو فوج أوبتأويل لا يكنْ كلُّ واحد منكم أو كافر به كقولك كسانا حُلةً ونهيُهم عن التقدم في الكفر به مع أن مشركي العربِ أقدمُ منهم لما أنَّ المرادَ به التعريضُ لا الدلالةُ على ما نطق به الظاهر كقولك أما أنا فلستُ بجاهل لأن المراد نهيهم عن كونهم أو كافر من أهل الكتاب أو ممن كفر بما عنده فإن مَنْ كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدِّقه أو مثلُ من كفر من مشركي مكةَ وأول أفعلُ لا فِعلَ له وقيل أصله أوْأَل من وَأَل إليه إذا نجا وخلُص فأُبدلت الهمزةُ واواً تخفيفاً غيرَ قياسي أو أَأْوَل من آلَ فقلبت همزتُه واواً وأدغمت
{وَلَا تَشْتَرُواْ بآياتي} أي لا تأخُذوا لأنفسكم بدلاً منها
{ثَمَناً قَلِيلاً} من الحظوظ الدنيوية فإنها وإن جلت قليلةٌ مسترذلة بالنسبة إلى ما فات عنهم من حظوظ الآخرةِ بترك الإيمان قيل كانت لهم رياسةٌ في قومهم ورسوم وهدايا فخافوا عليها لو اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاروها على الإيمان وإنما عبر عن المشتري الذي هو العمدة في عقود المعاوضة والمقصودُ فيها بالثمن الذي شأنُه أن يكون وسيلةً فيها وقُرنت الآياتُ التي حقُّها أنْ يتنافسَ فيها المتنافسون بالباء التي تصحَبُ الوسائل إيذاناً بتعكيسهم حيث جعلوا ما هو المقصد الأصلي وسيلة والوسيلة مقصداً
{وإياى فاتقون} بالإيمان واتباعِ الحقِ والإعراض عن حطام الدنيا ولما كانت الآية السابقةُ مشتملةً على ما هو كالمبادى لما في الآية الثانيةِ فُصِّلت بالرهبة التي هي من مقدِّمات التقوى أو لأن الخطابَ بها لما عمَّ العالِمَ والمقلِّدَ أُمر فيها بالرهبة المتناولةِ للفريقين وأما الخطابُ بالثانية فحيث خُصَّ بالعلماء أُمر فيها بالتقوى الذي هو المنتهى