٧٩ - النساء مَا قبلَهُ عليهِ أيْ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مشيدةٍ يدرككم الموتُ والجملةُ معطوفةٌ على أخرى مثلِها أي لو لم تكونوا في بروج مشيدةٍ ولو كنتم الخ وقد اطَّرد حذفُها لدِلالة المذكورِ عليها دِلالةً واضحةً فإن الشئ إذا تحقق المانِع فلأَنْ يتحققَ عند عدمِه أولى وعلى هذه النكتةِ يدورُ ما في لو الوصليةِ من التأكيد والمبالغةِ وقد مرَّ تحقيقُه في تفسير قولِه تعالى أَوْ لَوْ كَانَ آبَاؤُهم لَا يَعْقِلُونَ شيئا ولا يَهْتَدُون
{وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله} كلام مبتدأ جئ به عَقيبَ ما حُكي عن المسلمين لِمَا بينهما من المناسبة في اشتمالها على إسناد ما يكرَهونه إلى بعض الأمورِ وكراهتِهم له بسبب ذلك والضميرُ لليهود والمنافقين روي أنه كان قد بُسط عليهم الرزقُ فلما قدِم النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم المدينةَ فدعاهم إلى الإيمان فكفروا أُمسِك عنهم بعضَ الإمساك فقالوا مازلنا نعرِف النقصَ في ثمارنا ومَزارِعنا منذ قدِمَ هذا الرجلُ وأصحابُه وذلك قوله تعالَى
{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ} أي وإن تصبْهم نِعمةٌ ورخاءٌ نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبْهم بليةٌ من جَدْب وغلاءٍ أضافوها إليك كما حُكي عن أسلافهم بقوله تعالَى {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} فأُمر النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم بأن يرُدَّ زعمَهم الباطلَ ويُرشِدَهم إلى الحق ويُلقِمَهم الحجر ببيان إسنادِ الكلِّ إليه تعالى على الإجمال إذ لا يجترئون على معارضة أمرِ الله عزَّ وجلَّ حيث قيل
{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ الله} أي كلُّ واحدةٍ من النعمة والبليةِ من جهة الله تعالى خلقاً وإيجاداً من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شئ منهما بوجهٍ من الوجوه كما تزعُمون بل وقوعُ الأوُلى منه تعالى بالذات تفضلاً ووقوعُ الثانية بواسطة ذنوبِ من ابتُليَ بها عقوبةً كما سيأتي بيانُه فهذا الجوابُ المُجملُ في معنى ما قيل رداً على أسلافهم من قوله تعالى {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} أي إنما سببُ خيرِهم وشرِّهم أو سببُ إصابةِ السيئةِ التي هي ذنوبُهم عندَ الله تعالَى لَا عند غيرِه حتى يسندوها إليه ويَطّيّروا به وقوله تعالى
{فما لهؤلاء القوم} الخ كلام معترضٌ بين المُبينِ وبيانِه مَسوقٌ من جهتِه تعالَى لتعييرهم بالجهل وتقبيحِ حالِهم والتعجيبِ من كمال غباوتِهم والفاءُ لترتيبه على ما قبله وقولُه تعالى
{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} حالٌ من هؤلاء والعاملُ فيها ما في الظرف من مَعْنى الاستقرارِ أيْ وحيث كان الأمر كذلك فأى شئ حصل لهم حالَ كونِهم بمعزل من أن يفقَهوا حديثاً أو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الاستفهام كأنه قيلَ ما بالُهم وماذا يصنعون حتى يُتعجّبَ منه أو يُسألَ عن سببه فقيل لا يكادون يفقهون حديثاً من الأحاديث أصلاً فيقولون ما يقولون إذ لو فقِهوا شيئاً من ذلك لفهموا هذا النصَّ وما في معناه وما هو أوضحُ منه من النصوص القرآنية الناطقةِ بأن الكلَّ فائضٌ من عند الله تعالى وأن النعمةَ منه تعالى بطريق التفضلِ والإحسانِ والبليةَ بطريق العقوبةِ على ذنوب العباد لاسيما النصُّ الواردُ عليهم فِى صُحُفِ موسى وإبراهيم الذى وفي لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ولم يُسنِدوا جنايةَ أنفسِهم إلى غيرهم وقوله تعالى