للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{جَهَنَّمَ} وقولُه تعالى

{خَالِداً فِيهَا} حالٌ مقدّرةٌ من فاعل فعلٍ مقدرٍ يقتضيه المقامُ كأنه قيل فجزاؤه أن يدخُلَ جهنَّم خالداً فيها وقيلَ هُو حالٌ من ضمير يجزاها وقيل من مفعول جازه وأُيّد ذلك بأنه أنسبُ بعطف ما بعده عليه لموافقته له صيغةً ولا يخفى أن ما يُقدّر للحال أو العطف عليه حقُّه أن يكون مما يقتضيه المقامُ اقتضاءً ظاهراً ويدل عليه الكلامُ دَلالةً بينةً وظاهرٌ أن كونَ جزائِه ما ذُكر لا يقتضي وقوعَ الجزاءِ البتةَ كما ستقف عليه حتى يُقدَّرَ يُجزاها أو جازاه بطريق الإخبارِ عن وقوعه وأما قولُه تعالى

{وغضب الله عليه} فعطف على مقدر يدلُّ عليه الشرطيةُ دِلالةً واضحةً كأنه قيل بطريق الاستئنافِ تقريراً وتأكيداً لمضمونها حكمُ الله بأن جزاءَه ذلك وغضِب عليه أي انتقم منه

{وَلَعَنَهُ}

أي أبعده عن الرحمة بجعل جزائِه ما ذكر وقيل هو وما بعده معطوفٌ على الخبر بتقدير أنّ وحملُ الماضي على معنى المستقبلِ كَما في قولِه تعالى {وَنُفِخَ فِى الصور} ونظائرِه أي فجزاؤُه جهنمُّ وأن يغضَبَ الله عليه الخ

{وَأَعَدَّ لَهُ} في جهنم

{عَذَاباً عظيما} لا يقادر قدره ولِما ترى في الآية الكريمةِ من التهديد الشديدِ والوعيدِ الأكيدِ وفنونِ الإبراق والإرعادِ وقد تأيدت بما رُوي من الأخبار الشِّداد كقوله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لَزَوالُ الدُّنيا عند الله أهونُ من قتلِ مؤمن وقوله صلى الله عليه وسلم لو أن رجلاً قُتل بالمشرق وآخَرُ رضِي بالمغرب لأَشرَك في دمه وقوله صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل مؤمنٍ ولو بشَطْر كلمةٍ جاء يوم القيامةِ مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله تعالى وبنحو ذلك من القوارع تمسكت الخوارجُ والمعتزلةُ بها في خلود مَنْ قتل المؤمنَ عمداً في النار ولا مُتمَسَّك لهم فيها إلا لِما قيل من أنها في حق المستحِلِّ كما هو رأيُ عِكرِمةَ وأضرابِه بدليل أنها نزلت في مقيسِ بنِ ضبابةَ الكِناني المرتدِّ حسبما مرت حكايتُه فإن العبرةَ بعموم اللفظِ لا بخصوص السببِ بل لأن المرادَ بالخلود هو المكثُ الطويلُ لا الدوامُ لتظاهر النصوصِ الناطقةِ بأن عصاةَ المؤمنين لا يدوم عذابُهم وما رُوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لا توبةَ لقاتل المؤمنِ عمداً وكذا ما روي عن سفيانَ أن أهلَ العلم كانوا إذا سُئلوا قالوا لا توبةَ له محمول على الاقتداء بسنة الله تعالى في التشديد والتغليظِ وعليه يُحمل ما روي عن أنسٍ رضيَ الله تعالى عنه أن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم قال أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمنِ توبة كيفَ لَا وقد رُويَ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً سأله ألِقاتلِ المؤمنِ توبةٌ قال لا وسأله آخَرُ ألقاتل المؤمن توبةٌ فقال نعم فقيل له قلت لذلك كذا ولهذا كذا قال كان الأولُ لم يقتُلْ بعد فقلت ما قلت كيلا يقتُلَ وكان هذا قد قتل فقلت له ما قلت لئلا ييأسَ وقد روي عنه جوازُ المغفرةِ بلا توبة أيضاً حيث قال في قوله تعالى فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ الآيةُ هي جزاؤُه فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له ورُوي مرفوعا عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنه قال هو جزاؤُه إن جازاه وبه قال عونُ بنُ عبدِ اللَّهِ وبكرُ بنُ عبدِ اللَّه وأبو صالح قالوا قد يقول الإنسانُ لمن يزجُره عن أمر إن فعلتَه فجزاؤُك القتلُ والضربُ ثم إن لم يجازِه بذلك لم يكن ذلك منه كذباً قال الواحدي والأصلُ في ذلك إِنَّ الله عز وجل يجوزُ أن يُخلِفَ الوعيدَ وإن امتنع أن يُخلِف الوعد بهذا وردت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنسٌ رضيَ الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال من وعده الله تعالى على عمله ثواباً فهو مُنجِزُه له ومن أوعده على عمله عِقاباً فهو بالخيار والتحقيقُ أنه لا ضرورة إلى تفريع

<<  <  ج: ص:  >  >>