١٠٢ - النساء أمِن الناسُ فقال عمرُ رضي الله عنه عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقةٌ تصدّقَ الله بها عليكم فاقبَلوا صدقتَه وفيه دليلٌ على عدم جوازِ الإكمالِ لأن التصدقَ بما لا يحتمل التمليكَ إسقاطٌ محضٌ لا يحتمل الردَّ كما حُقّق في موضعه ولا يُتَوهّمنّ أنه مخالفٌ للكتاب لأن التقييدَ بالشرط عندنا إنما يدل على ثبوت الحُكمِ عند وجودِ الشرطِ وأما عدمُه عند عدمه فساكت عنه فإن وجدَ له دليلٌ ثبت عنده أيضاً وإلا يبقى على حاله لعدم تحققِ دليلِه لا لتحقق دليلِ عدمِه وناهيك بما سمعتَ من الأدلة الواضحةِ وأما عند القائلين بالمفهوم فلأنه إنما يدل على نفي الحُكمِ عند عدم الشرط إذا لم يكن له فائدةٌ أخرى وقد خرج الشرط ههنا مخرجَ الأغلبِ كما في قوله تعالى وَلَا تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً بل نقول إن الآيةَ الكريمةَ مجملةٌ في حق مقدارِ القصرِ وكيفيتِه وفي حق ما يتعلقُ به من الصلوات وفي مقدار مدةِ الضربِ الذي نيط به القصرُ فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من القصر في حال الامن من وتخصيصِه بالرُباعيات على وجه التصنيف وبالضرب في المدة المعينة بيانٌ لإجمال الكتابِ وقد قيل إن قوله تعالى إِنْ خِفْتُمْ الخ متعلقٌ بما بعده من صلاة الخوفِ منفصلٌ عما قبله فإنه روي عن أبي أيوبَ الأنصاري رضيَ الله عنه أنَّه قال نزل قولُه تعالى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الارض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حولٍ فنزل إِنْ خفتم الخ أي إن خفتم أن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ الخ وقد قرئ من الصلاة أن يفتنكم بغير إن خفتم على أنَّه مفعولٌ له لما دل عليه الكلامُ كأنه قيل شرُع لكم ذلك كراهةَ أن يفتنكم الخ فإن استمرارَ الاشتغالِ بالصلاة مَظِنةٌ لاقتدارهم على إيقاع الفتنةِ وقوله تعالى
{إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} تعليلٌ لذلك باعتبار تعلُّلِه بما ذُكر أو لما يُفهم من الكلام من كون فتنتِهم متوقَّعةً فإن كمالَ عداوتِهم للمؤمنين من موجبات التعرُّض لهم بسوء وقولُه تعالى