القوة إلى الفعل وغير ذلك مما نيط به أمر الخلافة والتسبيح تنزيهُ الله تعالى وتبعيدُه اعتِقاداً وقَولاً وعملاً عمَّا لَا يليقُ بجنابِه سُبحانَهُ مِنْ سبَح في الأرضِ والماءِ إذا أبعد وأمعنَ ومنه فرسٌ سَبُوحٌ أي واسع الجرْي وكذلك تقديسُه تعالى من قدَّسَ في الأرض إذا ذهَب فيها وأبعدَ ويقال قدَّسه أي طهَّره فإن مُطَهِّر الشئ مبعده عن القذار والباء في بحمدك متعلقةٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من الضمير أي ننزِّهُك عن كل ما لا يليقُ بشأنك ملتبسين بحمدك على ما أنعمت به علينا من فنونِ النعمِ التي من جملتها توفيقُنا لهذه العبادة فالتسبيحُ لإظهار صفاتِ الجلالِ والحمدُ لتذكير صفاتِ الإنعام واللامُ في لك إما مزيدة والمعنى نقدّسك وإما صلةٌ للفعل كما في سجدت لله وإما للبيان كما في سقيالك فتكون متعلقةً بمحذوف أي نقدّس تقديساً لك أي نصِفُك بما يليق بك من العلوّ والعزةِ وننزِّهُك عما لا يليق بك وقيل المعنى نطهِّر نفوسَنا عن الذنوب لأجلك كأنهم قابلوا الفسادَ الذي أعظمُه الإشراكُ بالتسبيح وسفكِ الدماء الذي هو تلويثُ النفس بأقبح الجرائمِ بتطهير النفسِ عن الآثام لا تمدُّحاً بذلك ولا إظهار للمِنة بل بياناً للواقع
{قَالَ} استئناف كما سبق
{إني أعلم ما لا تعلمون} ليس المرادَ بيانَ أنَّه تعالى يعلم مالا يعلمونه من الأشياءِ كائناً ما كان فإن ذلك مما لا شُبهة لهم فيه حتى يفتقِروا إلى التنبيه عليه لاسيما بطريق التوكيد بل بيانَ أن فيه عليه الصلاة والسلام معانيَ مستدعيةً لاستخلافه إذ هو الذي خفيَ عليهم وبنَوا عليه ما بنَوْا من التعجّب والاستبعاد فما موصولةً كانت أو موصوفةً عبارةٌ عن تلك المعاني والمعنى إني أعلم ما لا تعلمونه من دواعي الخلافة فيه وإنما لم يقتصِرْ على بيان تحققِها فيه عليه السلام بأن قيل مثلاً إن فيه ما يقتضيه من غير تعرض لإحاطته تعالى به وغفلتِهم عنه تفخيماً لشأنه وإيذاناً بابتناء أمرِه تعالى على العلم الرصينِ والحكمةِ المتقنة وصدورِ قولِهم عن الغفلة وقيل معناه إني أعلمُ من المصالحِ في استخلافه ما هو خفيٌّ عليكم وأنَّ هذا إرشادٌ للملائكة إلى العلم بأن أفعالَه تعالى كلَّها حسنةٌ وحِكمةٌ وإن خفي عليهم وجهُ الحسْنِ والحِكمة وأنت خبيرٌ بأنه مُشعِرٌ بكونهم غيرَ عالمين بذلك من قبلُ ويكون تعجبُهم مبنياً على تردّدهم في اشتمال هذا الفعلِ لحكمةٍ ما وذلك مما لا يليق بشأنهم فإنهم عالمون بأن ذلك متضمِّنٌ لحكمةٍ ما ولكنهم متردّدون في أنها ماذا هل هو أمرٌ راجعٌ إلى محض حُكم الله عزَّ وجلَّ أو إلى فضيلةٍ من جهة المستخلَف فبيّن سبحانه وتعالى لهم أولاً على وجه الإجمالِ والإبهامِ أن فيه فضائلَ غائبةً عنهم ليستشرفوا إليها ثم أبرَزَ لهم طرفاً منها ليعاينوه جَهرةً ويظهَرَ لهم بديعُ صنعِه وحكمتِه وينزاحَ شبهتُهم بالكلية