كما أشير إليه وإيرادُه عليه السلام باسمه العِلْميِّ لزيادة تعيين المرادِ بالخليفة ولأن ذكرَه بعنوان الخلافة لا يلائم مقامَ تمهيدِ مباديها وهو اسمٌ أعجميٌّ والأقربُ أن وزنه فاعلٌ كشالَخ وعاذَرَ وعابَرَ وفالغَ لا أفعل والتصدى لا شتقاقه من الأذمة أو الأَدَمة بالفتح بمعنى الأسوة أو من أديم الأرض بناء على ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من أنه تعالى قبض قبضةً من جميع الأرض سهلِها وحَزْنها فخلق منها آدم ولذلك اختلفت ألوانُ ذريته أو من الأَدْم والأدمة بمعنى الألفة تعسفٌ كاشتقاق إدريسَ من الدَّرْس ويعقوبَ من العقِب وإبليس من الإبلاس والاسمُ باعتبار الاشتقاقِ ما يكون علامةً للشئ ودليلاً يرفعُه إلى الذهن من الألفاظ والصفات والأفعال واستعمالُه عرفاً في اللفظ الموضوع لمعنى مُفرداً كانَ أو مُركباً مُخبَراً عنه أو خبراً أو رابطةً بينهما واصطلاحاً في المفرد الدال على معنى في نفسه غيرَ مقترنٍ بالزمان والمراد ههنا إما الأولُ أو الثاني وهو مستلزمٌ للأول إذ العلمُ بالألفاظ من حيث الدلالةُ على المعاني مسبوقٌ بالعلم بها والتعليمُ حقيقةً عبارةٌ عن فعلٍ يترتب عليه العلمُ بلا تخلف عنه ولا يحصل ذلك بمجرد إضافة المعلم بل يتوقف على استعداد المتعلم لقبول الفيضِ وتلقّيه من جهته كما مر في تفسير الهدى وهو السرُّ في إيثاره على الإعلام والإنباء فإنهما إنما يتوقفان على سماع الخبر الذي يشترك فيه البشرُ والمَلك وبه يظهر أحقيتُه بالخلافة منهم عليهم السلام لما أن جباتهم غيرُ مستعدةٍ للإحاطة بتفاصيلِ أحوالِ الجزئيات الجُسمانية خُبْراً فمعنى تعليمِه تعالى إياه أن يخلُقَ فيه إذ ذاك بموجب استعداده علماً ضرورياً تفصيلياً بأسماء جميعِ المسميات وأحوالِها وخواصِّها اللائقةِ بكلَ منها أو يُلقيَ في رُوعه تفصيلاً أن هذا فرس وشأنُه كيت وكيت وذاك بعيرٌ وحالُه ذَيْت وذَيْت إلى غير ذلك من أحوال الموجودات فيتلقاها عليه السلام حسبما يقتضيه استعدادُه ويستدعيه قابليتُه المتفرعةُ على فطرته المنطويةِ على طبائعَ متباينة وقوى متخالفةٍ وعناصرَ متغايرة قال ابنُ عباس وعكرمةُ وقتادةُ ومجاهدٌ وابنُ جُبيرٍ رضي الله عنهم علّمه أسماءَ جميعِ الأشياءِ حتى القصعةَ والقصيعةَ وحتى الجفنةَ والمِحْلَب وأنحى منفعة كل شئ إلى جنسِه وقيل أسماءَ ما كان وما سيكونُ إلى يومِ القيامةِ وقيلَ معنى قولَه تعالى وعلم آدمَ الأسماءَ خلقه من أجزاءَ مختلفةٍ وقوىً متباينةٍ مستعداً لإدراكِ أنواع المُدرَكات من المعقولات والمحسوسات والمتخيَّلات والموهومات وألهمه معرفةَ ذواتِ الأشياءِ وأسمائها وخواصِها ومعارفِها وأصولَ العلم وقوانينَ الصناعاتِ وتفاصيلَ آلاتِها وكيفياتِ استعمالاتها فيكونُ ما مرَّ من المقاولةِ قبل خلقه عليه السلام وقيل التعليمُ على ظاهره ولكنَّ هناك جملاً مطوية عطف عليهاالمدلول المدكور أي فخلقه فسواه ونفخ فيه الروح وعلمه الخ (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة) الضمير للمسميات المدلول عليها بالأسماء كما في قوله تعالى {واشتعل الرأس شَيْباً} والتذكيرُ لتغليبِ العقلاءِ على غيرِهم وقرئ عرَضَهن وعرضَها أي عرضَ مسمَّياتِهن أو مسمياتها في الحديث أنه تعالى عرضهم امثال الذر ولعله عز وجل عرضَ عليهم من أفراد كلِّ نوعٍ ما يصلحُ أنْ يكونَ أنموذجاً يُتعرفُ منه أحوالَ البقيةِ وأحكامها
{فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء} تبكيتاً لهم وإظهاراً لعجزهم عن إقامة ما علّقوا به رجاءَهم من أمرِ الخلافةِ فإن التصرفَ والتدبيرَ وإقامةَ المعدلةِ بغير وقوفِ على مراتبِ الاستعداداتِ ومقاديرِ الحقوق مما لا يكاد يمكنُ والإنباءُ إخبارُ فيه إعلامُ ولذلك يجري مجرى كل منهما والمرادُ ههنا ما خلا عنه وإيثاره