عن عبادته تعالى كما أشير إليه بخلاف عبادتِه تعالى فإنها حالةٌ متجدِّدة غيرُ مستلزِمةٍ للدوام يكفي في اتصاف موصوفها بها تحققها مرةً فعدمُ الاستنكافِ عنها لا يستلزم عن دوامها
{ولا الملائكة المقربون} عطفٌ على المسيح أي ولا يستنكف الملائكةُ المقربون أن يكونوا عبيداً لله تعالى وقيل أن أريد بالملائكة كلُّ واحد منهم لم يُحتَجْ إلى التقدير واحتَجّ بالآية من زعم فضلَ الملائكةِ على الأنبياءِ عليهم السلامُ وقال مسافة لرد النصارى في رفع المسيحِ عن مقام العبوديةِ وذلك يقتضي أن يكون المعطوفُ أعلى درجةً من المعطوف عليه حتى يكون عدمُ استنكافِهم مستلزماً لعدم استنكافِه عليه السلام وأجيب بأن مناطَ كفرِ النصارى ورفعِهم له عليه السَّلامُ عن رتبة العبوديةِ لمّا كان اختصاصُه عليه السلام وامتيازُه عن سائر أفرادِ البشرِ بالولادة من غير أب وبالعلم من المغيبات وبالرفع إلى السماء عُطف على عدم استنكافِه عن عبوديته تعالى عدمُ استنكافِ مَنْ هو أعلى درجةً منه فيما ذكر فإن الملائكةَ مخلوقون من غير أبٍ ولا أمَ وعالمون بما لا يعلمه البشرُ من المغيبات ومَقارُّهم السمواتُ العلا ولا نزاعَ لأحد في علو درجتِهم من هذه الحيثيةِ وإنما النزاعُ في علوّها من حيث كثرةُ الثوابِ على الطاعات وبأن اآية ليست للرد على النصارى فقط بل على عبَدة الملائكةِ أيضاً فلا اتجاه لما قالوا حينئذ وإنْ سَلِم اختصاصُها بالرد على النصارى فلعله أُريد بالعطف المبالغةُ باعتبار التكثيرِ والتفصيلِ لا باعتبار التكبيرِ والتفضيلِ كما في قولك أصبح الأميرُ لا يخالفه رئيسٌ ولا مرءوس ولئن سُلّم إرادةُ التفضيلِ فغايةُ الأمرِ الدلالةُ على أفضلية المقربين منهم وهم الكروبيون الذين حول العرشِ أو من هو أعلى منهم رتبةً من الملائكةِ عليهمِ السَّلامُ على المسيح من الأنبياءِ عليهم السلام وليس يلزم من ذلك فضل أحدِ الجنسين على الآخر مطلقاً وهل التشاجرُ إلا فيه
{وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ} أي عن طاعته فيشمل جميعَ الكفرةِ لعدم طاعتهم الثبوت للكفرة فإن عدم طاعتِهم له تعالى ممَّا لا سبيلَ لهم إن إنكار اتصافهم به إن قيل لم عبّر عن عدم طاعتِهم له تعالى بالاستنكاف عنها مع أن ذلك منهم كان بطريق إنكارِ كونِ الأمرِ منْ جهتِه تعالَى لا بطريق الاستنكافِ قلنا لأنهم كانوا يستنكفون عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل هو الإستنكاف عن طاعةِ الله تعالَى إذ لا أمرَ له عليه الصَّلاةُ والسلام سوى أمرِه تعالى مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله
{وَيَسْتَكْبِرْ} الاستكبارُ الأنَفةُ عما لا ينبغي أن يُؤنَفَ عنه وأصلُه طلبُ الكِبْر لنفسه بغير استحقاقٍ له لا بمعنى طلب تحصيلِه مع اعتقاد عدمِ حصولِه فيه بل بمعنى عدِّ نفسِه كبيراً واعتقادِه كذلك وإنما عبَّر عنه بما يدلُّ على الطلب للإيذان بأن مآلَه محضُ الطلبِ بدون حصولِ المطلوب وقد عبر عن مثل ذلك بنفس الطلبِ في قولِه تعالَى يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا فإنهم ما كانوا يطلبون ثبوتَ العِوِجِ لسبيل الله مع اعتقادهم لاستقامتها بل كانوا يعدّونها ويعتقدونها مُعْوجّةً ويحكمون بذلك ولكن عبّر عن ذلك بالطلب لِما ذكر من الإشعار بأن ليس هناك شيءٌ سوى الطلبِ والاستكبارِ دون الاستنكافِ المنبئ عن توهم لحقوق العارِ والنقصِ من المستنكَفِ عنه
{فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} أي المستنكِفين ومقابليهم المدلولَ عليه بذكر عدمُ استنكافِ المسيحِ والملائكةِ عليهم السلام وقد تُرك ذكرُ أحدِ الفريقين في المفصل تعويلاً على إنباء التفصيل عنه وثقة