سورة المائدة اية ٤ تعالى {فَلَا تَخْشَوْهُمْ} أي أنْ يظهرَوا عليكم {واخشون} أي وأخْلِصوا إليّ الخشية {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بالنصر والإظهار على الأديان كلها أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيفِ على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد وتقديمُ الجار والمجرور للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأن الإكمالَ لمنفعتهم ومصلحتهم كما في قوله تعالى أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وعليكم في قوله تعالى {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} متعلِّقٌ بأتممت لا بنعمتي لأن المصدرَ لا يتقدم عليه معمولُه وتقديمُهُ على المفعولِ الصريحِ لمامر مراتٍ أي أتممتُها بفتح مكةَ ودخولِها آمنين ظاهرين وهدمِ منارِ الجاهلية ومناسكِها والنهْيِ عن حجِّ المشرك وطوافِ العُرْيان أو بإكمال الدينِ والشرائع أو بالهداية والتوفيق قيل معنى أتممت عليكم نعمتي أنجزتُ لكم وعدي بقولي وَلاِتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِيناً} أي اخترتُه لكم من بين الأديان وهو الدينُ عند الله لا غيرُ عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله تعالَى عنهُ إنَّ رجلاً من اليهود قال له يا أمير المؤمنين آيةٌ في كتابكم تقرءونها لو علينا معشرَ اليهود نزلت لاتخذْنا ذلك اليوم عيداً قال أي آية قال اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى الآية قال عُمر رضي الله تعالى عنه عرفنا ذلك اليومَ والمكانَ الذي أنزلت فيه على النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وهو قائم بعرفَةَ يومَ الجمعة أشار رضي الله تعالى عنه إلى أن ذلك اليومَ عيدٌ لنا وروي أنه لمَّا نزلتْ هذهِ الآيةُ بكى عمرُ رضي الله تعالى عنه فقال النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم ما يُبكيك يا عمر قال أبكاني أنا كنا في زيادةٍ من دينِنا فاذ اكمل فإنه لا يكملُ شيءٌ الا نقص فقال عليه الصلاة والسلام صدقت فكانت هذه الآيةُ نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لبِثَ بعد ذلك إلا أحداً وثمانين يوماً {فَمَنِ اضطر} متصلٌ بذكر المحرمات وما بينهما اعتراضٌ بما يوجبُ أن يُجتنَبَ عنه وهو أن تناوُلَها فسوقٌ وحرمتُها من جملة الدين والنعمةِ التامةِ والإسلامِ المَرْضِيِّ أي فمن اضطُر إلى تناول شيءٍ من هذه المحرمات {فِى مَخْمَصَةٍ} أي مجاعة يَخافُ معها الموتَ أو مبادِيَه {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} قيل غيرَ مائلٍ ومنحرفٍ إليه بأن يأكُلَها تلذذا او مجاوزا حدَّ الرُّخصة أو ينتزِعَها من مضطرٍ آخَرَ كقوله تعالى غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لا يؤاخذه بذلك