أصلاً من الأسرار الخفية ليست مما يُقصَدُ تبليغه إلى الناس أي فما بلغت شيئاً من رسالته وانسلخْتَ مما شَرُفتَ به من عنوان الرسالة بالمرة لِما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض فإذا لم تؤدِّ بعضها فكأنك أغفلتَ أداءَها جميعاً كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لإدلاء كلَ منها بما يُدليه غيرها وكونُها لذلك في حكم شيءٍ واحد ولا ريب في أن الواحد لا يكونُ مُبلَّغاً غيرَ ميبلغ مؤمَناً به غيرَ مؤمَنٍ به ولأن كتمان بعضها إضاعةٌ لما أُدِّيَ منها كترك بعض أركان الصلاة فإن غرض الدعوة ينتقض بذلك وقيل فكأنك ما بلغت شيئاً منها كقوله تعالى فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً من حيث أن كتمنان البعض والكل سواءٌ في الشناعة واستجلاب العقاب وقرىء فما بلغت رسالاتي وعن ابن عباس رشي الله عنهما إن كتمت ى ية لم تبلِّغْ رسالاتي وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني الله برسالاته فضِقْتُ بها ذرعاً فأوحَى الله إلي إنْ لم تبلِّغْ رسالاتي عذبتُك وضمِن لي العصمة فقوِيْتُ وذلك قوله تعالى {والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فإنَّه كما ترى عِدَةٌ كريمةٌ بعصمته من لُحوق ضررهم بروحه العزيزِ باعثة له صلى الله عليه وسلم على الجد في تحقيق ما أُمر بهِ من التبليغ غير مكترث بعجاوتهم وكيدهم وعن أنسٌ رضيَ الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يُحرَسُ حتى نزلت فأخرج رأسَه من قُبّةٍ أدم فقال انصرفوا يأيها الناس فقد عصمني الله من الناس وقوله تعالى {إِنَّ الله لَا يَهْدِى القوم الكافرين} تعليل لعصمته تعالى له صلى الله عليه وسلم أي لا يمكنهم مما يريدون بك من الإضرار وإيرادُ الآية الكريمة في تضاعيف الآيات الواردة في حق أهل الكتاب لِما أن الكل قوارعُ يسوء الكفارَ سماعُها ويشُقّ على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهتُهم بها وخصوصاً ما يتلوها من النصِّ الناعي عليهم كمالَ ضلالتهم ولذلك أعيد الأمر فقيل