فحمِد الله تعالى وأثنى عليه وقال سلوني فوالله ما تسألوني عن شيءٍ ما دُمْت في مقامي هذا إلا بيّنتُه لكم فأشفق اصحاب النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أن يكون بين يَدَيْ أمرٍ قد حضَر قال أنسٌ رضيَ الله عنه فجعلتُ ألتفتُ يميناً وشِمالاً فلا أجدُ رجلاً إلا وهو لافٌّ رأسَه في ثوبه يبكي فقام رجل من قريشٍ من بني سَهْمٍ يقال له عبدُ اللَّه بنُ حُذافة وكان إذا لاحى الرجال يدعى إلى غير أبيه وقال يا نبيَّ الله مَنْ أبي فقال صلى الله عليه وسلم أبوك حذافةُ بنُ قيسٍ الزهري وقام آخرُ وقال أين أبي قال صلى الله عليه وسلم في النار ثم قام عمر رضي الله عنه فقال رضِينا بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً نبياً نعوذ بالله تعالى من الفتن إنا حديثو عهدٍ بجاهلية وشِرْكٍ فاعفُ عنا يا رسول الله فسكن غضبه صلى الله عليه وسلم {عَفَا الله عَنْهَا} استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أن نهيهم عنها لم يكن لمجرد صيانتِهم عن المَساءة بل لأنها في نفسها معصيةٌ مستتبِعةٌ للمؤاخذة وقد عفا عنها وفيه مِنْ حثّهم على الجِدّ في الانتهاء عنها ما لا يخفى وضميرُ عنها للمسألة المدلول عليها بلا تسألوا أي عفا الله تعالى عن مسائلِكم السالفةِ حيث لم يفرِضْ عليكم الحج في كل عام جزاءً بمسألتكم وتجاوَزَ عن عقوبتكم الأخروية بسائر مسائلكم فلا تعودوا إلى مثلها وأما جعلُه صفةً أخرى لأشياء على أن الضمير لها بمعنى لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلّفْكم إياها فمما لا سبيلَ إليه اصلا لاقتدائه أن يكون الحجُّ قد فُرض أولاً في كل عام ثم نسخ بطرق العفو وأن يكون ذلك معلوماً للمخاطَبين ضرورةَ أن حقَّ الوصف أن يكونَ معلومَ الثُبوت للموصوف عند المخاطب قبل جعلِه وصفاً له وكلاهما ضروريُّ الانتفاء قطعاً على أنه يستدعي اختصاصَ النهْي بمسألة الحجِّ ونحوِها إن سلِمَ وقوعُها مع أن النظم الكريمَ صريحٌ في أنه مَسوق للنهي عن السؤال عن الأشياء التي التي يسوؤُهم إبداؤُها سواءٌ كانت من قبيل الأحكام والتكاليفِ الموجبة لِمَساءتهم بإنشائها وإيحابها بسبب السؤال عقوبة وتجديدا كمسألة الحج لولا عفوُه تعالى عنها أو من قبيل الأمور الواقعةِ قبل السؤال الموجبةِ للمساءة بالإخبار بها كمسألة مَنْ قال أين أبي إن قلتَ تلك الأشياءُ غير مُوجبةٍ للمَساءة البتةَ بل هي محتمِلةٌ لإيجاب المَسرَّة أيضاً لأن إيجابَها للأولى إن كانت من حيث وجودُها فهي من حيث عدمُها موجبةٌ للأخرى قطعاً وليست إحدى الحيثيتَيْن محقّقةً عند السائل وإنما غَرَضُه من السؤال ظهورُها كيف كانت بل ظهورُها بحيثية إيجابها للمسرة فلم يعبر عنها بحيثية إيجابها للمَساءة قلتُ لتحقيق المنهيِّ عنه كما ستعرِفه مع ما فيه من تأكيد النهْي وتشديدِه لأن تلك الحيثيةَ هي الموجبةُ للانتهاء والانزجار لا حيثيةُ إيجابِها للمسرة ولا حيثيةُ تردّدِها بين الإيجابين إن قيل الشرطية الثانية ناطقةٌ بأن السؤالَ عن تلك الأشياء الموجبة للمساءة مستلزمٌ لإبدائها البتةَ كما مر فلا تخلَّفَ الإبداءُ عن السؤال في مسئلة الحج حيث لم يُفرَضْ في كل عام قلنا لوقوع السؤال قبل ورودِ النهي وما ذُكر في الشرطية إنما هو السؤال الواقعُ بعد وروده إذ هو الموجبُ للتغليظ والتشديد ولا تخلُّفَ فيه إن قيل ما ذكرتَه إنما يتمشى فيم إذا كان السؤالُ عن الأمور المترددةِ بين الوقوع وعدمِه كما ذُكرَ من التكاليف الشاقةِ وأما إذا كان عن الأمور الواقعةِ قبله فلا يكادُ يتسنّى لأن ما يتعلق به الإبداءُ هو الذي وقع في نفس الأمرِ ولا مرد له سواء كان السؤالُ قبل النهي أو بعده وقد يكون الواقع ما يوجب المسرة كما في مسئلة عبد الله بن حذافة فيكون هو الذي يتعلق به الإبداء لا غيره فيتعين للتخلف حتماً قلنا لا احتمالَ للتخلف فضلاً عن التعيُّن فإن المنهيَّ عنه في الحقيقة إنما هو السؤالُ عن الأشياء الموجبة