للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأنعام آية ٤

الوصفيِّ الذي يُنبىء عنْهُ الاسم الجليل إما باعتبار أصلِ اشتقاقِه وكونِه علماً للمعبودِ بالحق كأنه قيل وهو لمعبود فيهما وإما باعتبار أنه اسمٌ اشتهر بما اشتهرَتْ به الذاتُ من صفات الكمال فلو حظ معه منها ما يقتضيه المقامُ من المالكية الكليةِ والتصرُّفِ الكامل حسبما تقتضيه المشيئةِ المبنيةِ على الحِكَم البالغة فعُلّق به الظرفُ من تلك الحيثية فصار كأنه قبل وهو المالكُ أو المتصرفُ المدبِّرُ فيهما كما في قوله تعالى وَهُوَ الذى فِى السماء إله وَفِى الأرض إله وليس المرادَ بما ذُكر مَن الاعتبارَيْن أن الاسمَ الجليلَ يُحملُ على معناه اللغويِّ أو على معنى المالك أو المتصرِّف أو نحوِ ذلك بل مجردُ ملاحظة أحدِ المعاني المذكورة في ضمنه كما لوحظ معَ اسْم الأسد في قوله أسدٌ عليَّ الخ ما اشتهرَ به من وصف الجَراءة التي اشتهر بها مُسمَّاه فجرى مجرى جرىءعلى وبهذا تبين أن ما قيل بصدد التصوير والتفسير أي هو المعروفُ بذلك في السموات وفى الارض أو هو المعروفُ المشتهرُ بالصفات الكمالية أو هو المعروف بالإلهية فيهما أو نحوُ ذلك بمعزلٍ من التحقيق فإن المعتبرَ مع الاسم هو نفس الوصف البذي اشتهر به غذ هو الذي يقتضيه المقامُ حسبما بيّن آنفاً لاشتهاره به ألا يُرى أن كلمة عليّ في المثال المذكور لا يمكن تعليقُها باشتهار الاسم بالجَراءة قطعاً وقيل هو متعلِّقٌ بما يفيده التركيبُ الحَصْريُّ من التوحّد والتفرّد كأنه قيل وهو المتوحِّدُ بالإلهية فيهما وقيل بما تقرر عند الكل من إطلاق هذا الاسم عليه خاصة كأنَّه قيلَ وهُو الذي يقال له الله فيهما لا يُشرك به شيءٌ في هذا الاسم على الوجه الذي سبق من اعتبار معنى التوحّد أو القول في فحوى الكلام بطريق الاستتباع لا على حمل الاسم الجليل على معنى المتوحِّد بالإلهية أو على تقدير القول وقد جوَّز أن يكون الظرفُ خبراً ثانياً على أن كونَه سبحانه فيهما عبارةٌ عن كونه تعالى مبالِغاً في العلم بما فيهما بناءً على تنزيل علمِه المقدس عن حصول الصور والأشباح لكونه حضورياً منزلةَ كونِه تعالى فيهما وتصويرُه به على طريقة التمثيل المبنيِّ على تشبيه حالةِ علمه تعالى بما فيهما بحالة كونه تعالى فيهما فإن العالَم إذا كان في مكانٍ كان عالِماً به وبما فيه على وجهٍ لا يخفى عليه منه شيء فعلى هذا يكون قوله عز وجل {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} أي ما أسرَرْتُموه وما جهرتم به من الأقوال وما أسررتموه وما أعلنتموه كائناً ما كانَ منْ الأقوال والأعمال بياناً وتقريراً لمضمونه وتحقيقاً للمعنى المراد منه وتعليق علمه عز وجل بما ذُكر خاصةً مع شموله لجميع ما فيهما حسبما تفيدُه الجملةُ السابقة لانسياق النظمِ الكريم إلى بيان حال المخاطبين وكذا على الوجه الثاني فإن ملاحظةَ الاسم الجليلِ من حيث المالكيةُ الكلية والتصرفُ الكاملُ الجاري على النمط المذكور مستتبعةٌ لملاحظة علمِه المحيطِ حتماً فيكونُ هذا بياناً وتقريراً له بلا ريب وأما على الأوجه الثلاثة الباقية فلا سبيل إلى كونه بياناً لكن لا لِما قيلَ من أنه لا دلالةَ لاستواء السرِّ والجهر في علمه تعالى على ما اعتُبر فيهما من المعبودية والاختصاص بهذا الاسم إذ ربما يُعبد ويُختصّ به من ليس له كمالُ العلم فإنه باطل قطعاً إذ المراد بمال ذكر هو المعبوديةُ بالحق والاختصاصُ بالاسم الجليل ولا ريبَ في أنَّهما مما لا يتصور فيمن ليس له كمالُ العلم بديهةً لأن ما ذُكر من العلمِ غيرُ معتبرٍ في مدلول شيءٍ من المعبودية بالحق والاختصاصِ بالاسم حتى يكونَ هذا بياناً له وبهذا تبين أنه ليس ببيانٍ على الوجه الثالث أيضاً لما أن التوحدَ بالإلهية لا يُعتبر في مفهومه العلمَ الكاملَ ليكون هذا بياناً له بل هو معتبرٌ فيما صدَق عليه المتوحِّد وذلك غيرُ كاف

<<  <  ج: ص:  >  >>