أنهم ما كانوا في زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا كلمةَ التوحيد قط بل كانت كلُّ أمةٍ من أولئك الأمم يتسامعون بهال من بقايا من قبلهم فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجيءِ رسلِهم كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث إليهم أحد وتخصيص التكذيب وعدم الإيمان بما ذكر من الأصول لظهور حال الباقي بدلالة النص فإنهم حين لم يؤمنوا بما أجمعت عليه كافةُ الرسل فلأن يؤمنوا بما تفرَّد به بعضهم أولى وعدم جعل هذا التكذيبِ مقصوداً بالذات لما أن ما عليه يدور فلكُ العذابِ والعقابِ هو التكذيبُ الواقعُ بعد الدعوة حسبما يُعرب عنه قوله تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً وإنما ذكرها ما وقع قبلها بياناً لعراقتهم في الكفر والتكذيب وعلى كلا التقديرين فالضمائرُ الثلاثة متوافقة في المرجع وقيل ضميرُ كذبوا راجعٌ إلى أسلافهم والمعنى فما كان الأبناءُ ليؤمنوا بما كذب به الآباءُ ولا يَخْفى ما فيهِ من التعسف وقيل المرادُ ما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد إهلاكِهم ورددناهم إلى دار التكليفِ بما كذبوا من قبلُ كقوله تعالى وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نهوا عنه وقيل الباء للسببية وما مصدريةٌ أي بسبب تعوُّدِهم تكذيبَ الحق وتمرنهم عليه قبل بعثةِ الرسلِ ولا يرِدُ عليه ههنا ما ورد في سورة يونُسَ من مخالفة الجمهورِ بجعل ما المصدريةِ من قبيل الأسماء كما هو رأيُ الأخفشِ وابنِ السرّاج ليرجِعَ إليه الضميرُ في به {كذلك} أي مثلَ ذلك الطبعِ الشديدِ المُحكَم {يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} أي من المذكورين وغيرهم فلا يكاد يؤثر فيها الآياتُ والنذرُ وفيه تحذير للسامعين وإظهارُ الاسمِ الجليلِ بطريق الالتفاتِ لتربية المهابة وإدخالِ الروعة