بيانٌ لاستبداده سبحانه في التقدير والتدبيرِ ونفيٌ للشفاعة على أبلغ الوجوهِ فإن نفيَ جميعِ أفرادِ الشفيعِ بمن الاستغراقية يستلزم نفيَ الشفاعةِ على أتم الوجوه كما في قوله تعالى لَا عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله وهذا بعد قوله تعالى يُدَبّرُ الامر جارٍ مجرى قوله تعالى وَهُوَ يُجْيِرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ عقيب قوله تعالى قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء وقولُه تعالى
{إِلَاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} استثناه مفرغٌ منْ أعمِّ الأوقاتِ أي ما من شفيع يشفع لأحد في وقتٍ من الأوقاتِ إلا بعد إذنِه المبنيِّ على الحكمة الباهرةِ وذلك عند كون الشفيع من المصطَفْين الأخيارِ والمشفوعُ له ممن يليق بالشفاعة كقوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لَاّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَاّ مَنْ أذِن لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً وفيه من الدِلالة على عظمة جلالِه سبحانه ما لا يخفى
{ذلكم} إشارةٌ إلى المعلوم بتلك العظمةِ أي ذلكم العظيمُ الشأنِ المنعوتُ بما ذكر من نعوت الكمالِ التي عليها يدور استحقاق الألوهية
{الله} وقوله تعالى
{رَبُّكُمْ} بيانٌ له أو بدلٌ منه أو خبرٌ ثانٍ لاسمِ الإشارةِ وهذا بعد بيانِ أن ربَّهم الله الذى خَلَقَ السموات والارض الخ لزيادة التقريرِ والمبالغةِ في التذكير ولتفريع الأمرِ بالعبادة عليه بقوله تعالى
{فاعبدوه} أي وحّدوه من غير أن تُشركُوا به شيئاً من ملَك أو نبيَ فضلاً عن جماد لا يُبصر ولا يَسمع ولا يضرُّ ولا ينفعُ وآمِنوا بما أنزله إليكم
{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أي أتعلمون أن الأمرَ كما فُصل فلا تتذكرون ذلك حتى تقِفوا على فساد ما أنتم عليه فترتدعوا عنه سورة يونس الآية (٤)