احتجاجٌ آخرُ على حقية التوحيدِ وبطلانِ الإشراكِ بإظهار كونِ شركائِهم بمعزل من استحقاق الإلهية ببيان اختصاصِ خواصِّها من بدء الخلقِ وإعادتِه به سبحانه وتعالى وإنما لم يُعطف على ما قبله إيذاناً باستقلاله في إثبات المطلوبِ والسؤالُ للتبكيت والإلزامِ وقد جُعلت عليه الإعادةِ وتحققُها لوضوح مكانِها وسُنوحِ برهانِها بمنزلة بدءِ الخلقِ فنُظمت في سلكه حيث قيل
{مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} إيذاناً بتلازمهما وجودا وعلما يستلزم الاعترافَ بها وإن صدهم عن ذلك ما بهم من المكابرة والعِناد ثم أمر صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم من يفعل ذلك فقيل له
{قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي هو يفعلهما لا غيرُ كائناً ما كان لا بأن ينوب صلى الله عليه وسلم عنهم في ذلك كما قيل لأن القولَ المأمورَ به غيرُ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن الجواب وإن كان مستلزِماً له إذ ليس المسئول عنه مَنْ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يعيده كما في قوله تعالى قُلْ مَن رَّبُّ السموات والارض قُلِ الله حتى يكونَ القولُ المأمور به عينِ الجوابِ الذي أريد منهم ويكون صلى الله عليه وسلم نائباً عنهم في ذلكَ بل إنَّما هو وجودُ مَنْ يفعل البدءَ والإعادةَ من شركائهم فالجوابُ المطلوبُ منهم لا لا غير نعم أمر صلى الله عليه وسلم بأن يضمِّنه مقالتَه إيذاناً بتعينه وتحققِه وإشعاراً بأنهم لا يجترءون على التصريح به مخافةَ التبكيتِ وإلقامِ الحجر لا مكابرةً ولَجاجاً فتدبر وإعادهُ الجملة فى الجواب بتمامها غير محذوفه الخبر كما في الجواب السابق لمزيد التأكيدِ والتحقيق
{فأنى تُؤْفَكُونَ} الإفكُ الصرْفُ والقلبُ عن الشيء وقد يُخصّ بالقلب عن الرأي وهو الأنسبُ بالمقام أي كيف تُقلبون من الحق إلى الباطل والكلامُ فيهِ كَما ذُكرَ في تصرفون