للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

} ١ هود آية ٤٨ قيل من استقلاله بغرض مُهمَ هو جعلُ قرابةِ الدين غامرةً لقرابة النسبِ وأن لا يقدّم في الأمور الدينيةِ الأصوليةِ إلا بعد اليقينِ قياساً على ما وقع في قصة البقرةِ من تقديم ذكرِ الأمرِ بذبحها على ذكر القتيلِ الذي هو أولُ القصةِ وكان حقُّها أن يقالَ وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرةً فاضرِبوه ببعضها كما قُرّر في موضعه فإن تغييرَ الترتيبِ هناك للدِلالة على كمال سوءِ حالِ اليهودِ بتعديد جناياتِهم المتنوعةِ وتثنية التقريعِ عليهم بكل نوع على حدة فقوله تعالى وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً الخ لتقريعهم على الاستهزاء وتركِ المسارعةِ إلى الامتثال وما يتبع ذلك وقوله تعالى وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا الخ للتقريع على قتل النفسِ المحرمةِ وما يتبعه من الأمور العظيمةِ ولو قُصت القِصةُ على ترتيبها لفات الغرضُ الذي هو تثنيةُ التقريعِ ولظُن أن المجموعَ تقريعٌ واحدٌ وأما ما نحن فيه فليس مما يمكن أن يراعى فيه مثلُ تلك النكتةِ أصلاً وما ذكر من جعل القرابةِ الدينيةِ غامرةً للقرابة النسبية الخ لا يفوت على تقدير سَوْقِ الكلامِ على ترتيب الوقوعِ أيضاً بل لأن ذكرَ هذا النداءِ كما ترى مستدعٍ لذكر ما مر من الجواب المستدعي لذكر ما مر من توبته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ المؤدِّي ذكرُها إلى ذكر قَبولها في ضمن الأمرِ الوارد بنزوله عليه الصلاة والسلام من الفلك بالسلام والبركاتِ الفائضةِ عليه وعلى المؤمنين حسبما سيجيء مفصلاً ولا ريب في أن هذه المعانيَ آخذٌ بعضُها بحُجْزةِ بعض بحيث لا يكاد يُفرَّق الآياتُ الكريمة المنطويةُ عليها بعضُها من بعض وأن ذلك إنما يتم بتمام القِصّة ولا ريب أن ذلك إنما يكون بتمام الطوفانِ فلا جرم اقتضى الحالُ ذكرَ تمامِها قبلَ هذا النداءِ وذلك إنما يكون عند ذكرِ كونِ كنعانَ من المغرَقين ولهذه النكتة ازداد حسنُ موقعِ الإيجاز البليغِ وفيه فائدةٌ أخرى هي التصريحُ بهلاكه من أول الأمرِ ولو ذكر النداء الثاني عَقيبَ قوله تعالى فَكَانَ من المغرقين لربما توهم من أول الأمرِ إلى أن يرِد قولُه إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أنه ينجو بدعائه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فنُص على هلاكه من أول الأمرِ ثم ذُكر الأمر الوارد على الأرض والسماءِ الذي هو عبارةٌ عن تعلق الإرادةِ الربانيةِ الأزليةِ بما ذُكر من الغيض والإقلاعِ وبين بلوغِ أمرِ الله محلَّه وجريانِ قضائِه ونفوذ حُكمِه عليهم بهلاك من هلك ونجاةِ من نجا بتمام ذلك الطوفانِ واستواءِ الفُلكِ على الجوديِّ فقُصّت القِصةُ إلى هذه المرتبةِ وبُيّن ذلك أيَّ بيانٍ ثم تعرض لما وقعَ في تضاعيفِ ذلكَ مما جرى بين نوحٍ عليه السلام وبين ربِّ العزة جلت حكمتُه فذكر بعد توبته عليه الصلاة والسلام قبولها بقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>