للسعادات الروحانيةِ والجُسمانية أن أخونَ في وحيه وأخالفَه في أمره ونهيِه فبمعزل من ذلك وإنما يناسب تقديرُه إن حمل كلامُهم على الحقيقة وأريد بالصلاة الدينُ على معنى أدينُك يأمرُك أن تكلفنا بترك عبادةِ آلهتِنا القديمة وتركِ التصرّفِ المطلق في أموالنا وتخالفنا في ذلك وتشُقَّ عصانا وهذا مما لا ينبغي أن يصدُر عنك فإنك أنت المشهورُ بالحلم الفاضلِ والرشدِ الكاملِ فيما بيننا كما كان قولُ قومِ صالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا مسروداً على ذلك النمطِ فأُجيبوا بما أجيبوا به وعلى هذا الوجهِ يكون المرادُ بالرزق الحسنِ الحلالَ الذي آتاه الله تعالى والمعنى حينئذ أخبروني إن كنت نبياً من عند الله تعالى ورزقني مالاً حلالاً أستغني به عن العالمين أيصِحّ أن أخالف أمرَه وأوافقَكم فيمَا تأتونَ وما تذرونَ
{وَمَا أُرِيدُ} بنهي إياكم عما أنهاكم عنه من البخس والتطفيف
{أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكُم عَنْهُ} أي أقصِدَه بعد ما ولَّيتم عنه وأستبِدَّ به دونكم يقال خالفت زيداً إلى كذا إذا قصدتُه وهو مولَ عنه وخالفتُه عن كذا إذا كان الأمرُ على العكس
{إن أريد} أي ما أُرِيدُ بما أباشره من الأمر والنيه
{إِلَاّ الإصلاح} إلا أن أُصلِحَكم بالنصيحة والموعظة
{مَا استطعت} أي مقدارَ ما استطعتُه من الإصلاح والتقييدُ به للاحتراز عن الاكتفاء بالإصلاح في الجملة لا عن إرادة ما ليس في وُسعه منه
{وَمَا تَوْفِيقِى} أي كوني موفقاً لتحقيق ما أنتحيه من إصلاحكم
{إِلَاّ بالله} أي بتأييده ومعونتِه بل الإصلاحُ من حيث الخلقُ مستندٌ إليه سبحانه وإنما أنا من مباديه الظاهرةِ قاله عليه السلام تحقيقاً للحق وإزاحةً لما عسى يوهمه إسنادُ الاستطاعةِ إليه بإرادته من استبداده بذلك
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في ذلك مُعرِضاً عما عداه فإنه القادرُ على كل مقدورٍ وما عداه عاجزٌ محْضٌ في حد ذاتِه بل معدومٌ ساقطٌ عن درجة الاعتبار بمعزل عن مرتبة الاستمدادِ به والاستظهار
{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي أرجِعُ فيما أنا بصدده ويجوز أن يكون المرادُ وما كوني موفقاً لإصابة الحقِّ والصوابِ في كل ما آتي وأذر إلا بهدايته ومعونتِه عليه توكلتُ وهو إشارةٌ إلى محض التوحيدِ الذاتي والفعليِّ وإليه أنيب أي عليه أقبل بشراشِر نفسي في مجامع أموري وإيثارُ صيغةِ الاستقبالِ على الماضي الأنسبِ للتقرر والتحقّقِ كما في التوكل لاستحضارِ الصورةِ والدلالةِ على الاستمرار ولا يَخْفَى ما في جوابه عليه السلام من مراعاة لطفِ المراجعةِ ورِفق الاستنزالِ والمحافظةِ على قواعد حسنِ المجاراة والمحاورَة وتمهيدِ معاقدِ الحقِّ بطلب التوفيقِ من جناب الله تعالى والإستعانة به في أموره وحسمِ أطماعِ الكفار وإظهار الفراغِ عنهم وعدمِ المبالاة بمعاداتهم وأما تهديدُهم بالرجوع إلى الله تعالى للجزاء كما قيل فلا لأن الإنابةَ إنما هي الرجوعُ الاختياريُّ بالفعل إلى الله تعالى لا الرجوعُ الاضطراريُّ للجزاء أو ما يعمه