{أَوْ قَوْمَ صالح} من الصيحة والرجفةِ وقرأ ابن كثير بضم الياء من أجرمتُه ذنباً إذا جعلته جارِماً له أي كاسباً وهو منقول من جرم المعتدي إلى مفعول واحد كما نقل أكسبه المالَ من كسب المالَ فكما لا فرق بين كسبته مالاً وأكسبته إياه لا فرق بين درمته ذنباً وأجرمتُه إياه في المعنى إلا أن الأولَ أصحُ وأدور على ألسنة الفصحاءِ وقرأ أبو حيوة مثلَ ما أصاب بالفتح لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ كقوله ... لم يمنع الشربَ منها غير أن نطَقت ... حمامةٌ في غصون ذاتُ ...
أو قال وهذا وإن كان بحسب الظاهرِ نهياً للشقاق عن كسب إصابةِ العذابِ لكنه في الحقيقة نهيٌ للكفرة عن مشاقّته عليه السلام على ألطف أسلوبٍ وأبدعِه كما مر في سورة المائدة عند قولِهِ تعالَى وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ الآية
{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} زماناً أو مكاناً فإن لم تعتبروا بمن قبلَهم من الأمم المعدودةِ فاعتبروا بهم فكأنه إنما غير أسلوبَ التحذيرِ بهم ولم يصرِّح بما أصابهم بل اكتفى بذكر قربِهم إيذاناً بأن ذلك مغنٍ عن ذكره لشهرة كونِه منظوماً في سِمْطِ ما ذُكر من دواهي الأممِ المرقومة أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمعاصي فلا يبعُد أنْ يُصيبكم مثلُ ما أصابهم وإفرادُ البعيدِ مع تذكيره لأن المراد وما إهلاكُهم على نية المضافِ أو وما هم بشيء بعيد لأن المقصودَ إفادةُ عدم بعدِهم على الإطلاق لا من حيث خصوصيةُ كونِهم قوما أوما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد ولا يبعُد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق ولما أنذرهم عليه السلام بسوء عاقبة صنيعِهم عقّبه طمعاً في ارعوائهم عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال