لا بد لهم من مِظلّة ومِقلّة دائمتين يكفي في تعليقي دوامِ قرارِهم فيها بدوامهما ولا حاجة إلى الوقوف على تفاصيل أحوالِهما وكيفياتهما
{إِلَاّ مَا شَاء رَبُّكَ} استثناءٌ من الخلود على طريقة قوله تعالى لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلَاّ الموتة الاولى وقوله وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آباؤكم مّنَ النساء إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ وقولِه تعالى حتى يَلِجَ الجمل فِى سَمّ الخياط غير أن استحالة الأمورِ المذكورةِ معلومةٌ بحكم العقلِ واستحالةَ تعلّق المشيئةِ بعدم الخلودِ معلومةٌ بحكم النقل يعني أنهم مستقرّون في النار في جميع الأزمنةِ إلا في زمان مشيئةِ الله تعالى لعدم قرارِهم فيها وإذ لا إمكان لتلك المشيئةِ ولا لزمانها بحكم النصوصِ القاطعة الموجبةِ للخلود فلا إمكانَ لانتهاء مدةِ قرارِهم فيها ولدفع ما عسى يُتوهَّمُ من كون استحالةِ تعلق مشيئة الله تعالى بعدم الخلود بطريق الوجوبِ على الله تعالى قال
{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} يعني أنه في تخليد الأشقياءِ في النار بحيث يستحيل وقوعُ خلافةِ فعالٌ بموجب إرادته قاضٍ بمقتضى مشيئتِه الجارية على سنن حكمته الداعيةِ إلى ترتيب الأجزيةِ على أفعال العبادِ والعدولُ من الإضمار إلى الإظهار لتربية المهابةِ وزيادةِ التقريرِ وقيل هو استثناءُ من الخلود في عذاب النار فإنهم لا يخلّدون فيه بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع أُخَرَ من العذاب وبما هو أغلظُ منها كلِّها وهو سَخَطُ الله تعالى عليهم وخَسْؤه لهم وإهانتُه إياهم وأنت تدري أنا وإن سلّمنا أن المرادَ بالنار ليس مطل قدار العذاب المشتملةِ على أنواع العذابِ بل نفسَ النار فما خلا عذابَ الزمهريرِ من تلك الأنواعِ مقارِنٌ لعذاب النار فلا مِصداقَ في ذلك للاستثناء ولك أن تقول إنهم ليسوا بمخلدين في العذاب الجُسماني الذي هو عذابُ النار بل لهم من أفانين العذاب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وهي العقوباتُ والآلامُ الروحانية التي لا يقف عليها فِى هذه الحياةِ الدنيا المنغمِسون في أحكام الطبيعةِ المقصورُ إدراكُهم على ما ألِفوا من الأحوال الجُسمانية وليس لهم استعدادٌ لتلقّي ما رواء ذلك من الأحوال الروحانيةِ إذا ألقيَ إليهم ولذلك لم يتعرّض لبيانه واكتُفي بهذه المرتبةِ الإجماليةِ المنبئةِ عن التهويل وهذه العقوباتُ وإن كان تعتريهم وهم في النار لكنهم ينسَوْن بها عذابَ النارِ ولا يُحِسّون به وهذه المرتبةُ كافيةٌ في تحقيق معنى الاستثناءِ هذا وقد قيل إلا بمعنى سوى وهو أوفقُ بما ذكر وقيلَ ما بمعنَى مَنْ على إرادة معنى الوصفيةِ فالمعنى إن الذين شقُوا في النار مقدرين الخلود فيها إلا الذين شاء الله عدم خلودِهم فيها وهم عصاةُ المؤمنين