الرعد ٣١ مثلَ ذلك الإرسالِ العظيمِ الشأن المصحوبِ بهذه المعجزة الباهرة {أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ} أي مضت {مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ} كثيرة قد أُرسل إليهم رسل {لّتَتْلُوَ} لتقرأ {عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} مِنَ الكتاب العظيمِ الشأنِ وتهديَهم إلى الحق رحمةً لهم وتقديمُ المجرور على المنصوب من قبيل الإبهام ثم البيان كما في قوله تعالى وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ وفيه مالا يخفى من ترقب النفس إلى ما سيرِدُ وحسنِ قبولها له عند ورودِه عليها {وَهُمْ} أي والحال أنهم {يَكْفُرُونَ بالرحمن} بالبليغ الرحمةِ الذي وسعت كلَّ شيء رحمتُه وأحاطت به نعمتُه والعدول إلى المُظهر المتعرِّض لوصف الرحمةِ من حيث أن الإرسالَ ناشىءٌ منها كما قال تعالى وَمَا أرسلناك إِلَاّ رَحْمَةً للعالمين فلم يقدِروا قدرَه ولم يشكروا نِعمَه لا سيما ما أنعم به عليهم بإرسال مثلِك إليهم وإنزال القرآنَ الذي هو مدارُ المنافع الدينية والدنياوية عليهم وقيل نزلت في مشركي مكةَ حين أُمروا بالسجود فقالوا وما الرحمن {قُلْ هُوَ} أي الرحمن الذي كفرتم به وأنكرتم معرفته {رَبّى} الربُّ في الأصل بمعنى التربية وهي تبليغُ الشيءِ إلى كماله شيئاً فشيئاً ثم وُصف به مبالغةً كالصوم والعدْل وقيل هو نعت أي خالقي ومبلّغي إلى مراتب الكمالِ وإيرادُه قبل قوله {لَاّ إله إِلَاّ هو} أي لا مستحقَّ للعبادة سواه تنبيهٌ على أن استحقاق العبادة منوطٌ بالربوبية وقيل إن أبا جهل سمع النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم يقول يا ألله يا رحمن فرجع إلى المشركين فقال إن محمداً يدعو إلهين فنزلت ونزل قوله تعالى قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن الآية {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في جميع أموري لا سيما في النصرة عليكم لا على أحد سواه {وَإِلَيْهِ} خاصة {مَتَابِ} أي توبتي كقوله تعالى واستغفر لِذَنبِكَ أُمر عليه السلام بذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى وأنها صفةُ الأنبياء وبعثاً للكفرة على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجهٍ وألطفه فإنه عليه السلام حيث أُمر بها وهو منزَّه عن شائبةِ اقترافِ ما يوجبها من الذنب وإن قل فتوبتهم وهو عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي مما لا بد منه أصلاً وقد فُسّر المتابُ بمطلق الرجوعِ فقيل مرجعي ومرجعُكم وزِيد فيحكُم بيني وبينكم وقد قيل فيثيبُني على مصابرتكم فتأمل