النحل ٧٨ قاطبةً بحيث لا سبيلَ لهم إليها لا مشاهدةً ولا استدلالاً ومعنى الإضافةِ إليهما التعلقُ بهما إما باعتبار الوقوعِ فيهما حالاً أو مآلاً وإما باعتبار الغَيبة عن أهلهما والمرادُ بيانُ الاختصاصِ به تعالى من حيثُ المعلوميةُ حسبما ينبئ عنه عنوان الغيبة لا من حيث المخلوقيةُ والمملوكيةُ وإنْ كان الأمرُ كذلك في نفس الأمر وفيه إشعارٌ بأنَّ علمَه سبحانه حضوريٌّ فإن تحقق الغيوب في نفسها علم بالنسة إليه تعالى ولذلك لم يقل ولله علمُ غيبِ السموات والأرض {وَمَا أَمْرُ الساعة} التي هي أعظمُ ما وقع فيه المماراةُ من الغيوب المتعلقة بهما من حيث غيبتُها عن أهلهما أو ظهورُ آثارها فيهما عند وقوعها فأن وقتَ وقوعها بعينه من الغيوب المختصة به سبحانه وإن كان آنيّتُها من الغيوب التي نُصبت عليها الأدلة أي ما شأنُها في سرعة المجيء {إِلَاّ كَلَمْحِ البصر} أي كرجع الطرفِ من أعلى الحدَقة إلى أسفلها {أَوْ هُوَ} أي بل أمرُها فيما ذكر {أَقْرَبُ} من ذلك وأسرعُ زماناً بأن يقع في بعضٍ من زمانه فإن ذلك وإن قصر عن حركةٌ آنيةٌ لها هُوِيةٌ اتصاليةٌ منطبقةٌ على زمان له هويةٌ كذلك قابلٌ للانقسام إلى أبعاض هي أزمنة أيضاً بل في آن غيرِ منقسمٍ من ذلك الزمان وهو آنُ ابتداءِ تلك الحركةِ أو ما أمرُها إلا كالشيء الذي يُستقرب ويقال هو كلمح البصر أو هو أقرب وأياما كان فهو تمثيلٌ لسرعة مجيئها حسبما عبّر عنها في فاتحة السورة الشريفة بالإتيان {إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ} ومن جملة الأشياء أن يجيء بها أسرعَ ما يكون فهو قادر على ذلك أو وما أمرُ إقامةِ الساعة التي كُنهُها وكيفيتُها من الغيوب الخاصةِ به سبحانه وهي إماتةُ الأحياءِ وإيحاء الأمواتِ من الأولين والآخرين وتبديلُ صورِ الأكوان أجمعين وقد أنكرها المنكرون وجعلوها من قبيل مالا يدخُل تحت الإمكان في سرعة الوقوعِ وسهولةِ التأتي إلا كلمح البصر أو هو أقرب على ما مر من الوجهين أَنَّ الله على كُلّ شىء قدير فهو قادر على ذلك لا محالة وقيل غيبُ السموات والأرض عبارةٌ عن يوم القيامة بعينه لما أن علمه بخصوصه غائبٌ عن أهلهما فوضْعُ الساعة موضعَ الضمير لتقوية مضمونِ الجملة