الكهف ٨٤ بقرنه الأيمنِ فمات ثم بعثه الله تعالى فضَرب بقرنه الأيسرِ فمات ثم بعثه الله تعالى وقيل لأنه رأى في منامه أنه صعِد الفَلكَ فأخذ بقرني الشمس وقيل لأنه انقرض في عهده قَرنان وقيل لأنه سُخّر له النورُ والظلمة فإذا سرَى يهديه النورُ من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل لُقّب به لشجاعته هذا وأما ذو القرنين الثاني فقد قال ابن كثير إنه الإسكندر بن فيليس بنِ مصريمَ بنِ هُرمُسَ بنِ ميطونَ بنِ رومي بن ليطى بن يونان ابن يافثَ بن نونه بن شرخونَ بن روميةَ بن ثونط بن نوفيلَ بن رومي بن الأصفرِ بن العنز بن العيصِ بن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ عليهما الصلاة والسلام كذا نسبه ابنُ عساكرَ المقدونيُّ اليوناني المصريُّ باني الإسكندريةِ الذي يؤرِّخ بأيامه الرومُ وكان متأخراً عن الأول بدهر طويلٍ أكثرَ من ألفي سنة كان هذا قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة وكان وزيرُه أرسطاطاليس الفيلسوفَ وهو الذي قتل دارا ابن دار أو أذل ملوك الفرس ووطئ أرضهم ثم قال ابن كثير وإنما بيّنا هذا لأن كثيراً من الناس يعتقد أنهما واحدٌ وأن المذكورَ في القرآن العظيم هو هذا المتأخرُ فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثيرٌ كيف لا والأولُ كان عبداً صالحاً مؤمناً وملكاً عادلاً وزيرُه الخضرُ عليه الصلاةُ والسلامُ وقد قيل إنه كان نبياً وأما الثاني فقد كان كافراً وزيرُه أرسطاطاليس الفيلسوفُ وقد كان ما بينهما من الزمان أكثرَ من ألفي سنة فأين هذا من ذاك انتهى قلت المقدوني نسبةً إلى بلد من بلاد الروم غربيَّ دارِ السلطنة السنية قُسطنطينيةَ المحمية لا زالت مشحونةً بالشعائر الدينية بينهما من السافة مسيرة خمسة عشرة يوماً أو نحوِ ذلك عند مدينة سَيروزَ اسمُها بلغة اليونانيين مقدونيا كانت سريرَ مُلك هذا الإسكندرِ وهي اليوم بلقَعٌ لا يقيم بها أحد ولكن فيها علائمُ تحكي كمالَ عِظَمها في عهد عُمرانها ونهايةِ شوكةِ واليها وسلطانِها ولقد مررتُ بها عند القُفول من بعض المغازي السُّلطانية فعاينتُ فيها من تعاجيب الآثارِ ما فيه عبرةٌ لأولي الأبصار {قُلْ} لهم في الجواب {سأتلو عَلَيْكُمْ} أي سأذكر لَكُمْ {مِنْهُ} أيْ منَ ذي القرنين {ذِكْراً} أي نبأ مذكور أو حيث كان ذلك بطريق الوحي المتلو حكاية عن جهةِ الله عزَّ وجلَّ قيل سأتلو أو سأتلو في شأنه من جهته تعالى ذكراً أي قرآناً والسينُ للتأكيد والدِلالة على التحقيق المناسبِ لمقام تأييدِه عليه الصلاة والسلام وتصديقِه بإنجاز وعدِه أي لا أترك التلاوةَ البتةَ كما في قول من قال ... سأشكر عَمْراً إن تراخت منيتى ... أيادى لم تمنى وإن هي جلَّتِ ...
لا الدلالة على أن التلاوة ستقع فيما يستقبل كما قيل لأن هذه الآيةَ ما نزلت بإنفرادها قبل الوحي بتمام القصة بل موصولةٌ بما بعدها ريثما سألوه صلى الله عليه وسلم عنه وعن الروح وعن أصحاب الكهفِ فقال لهم صلى الله عليه وسلم ائتوني غداً أخبرْكم فأبطأ عليه الوحي خمسة عشرة يوماً أو أربعين كما ذكر فيما سلف وقوله عز وجل