بالمعاني إنما هو بتوسّط تعلقه بالأعيان المستتبة لها فنزولُ ما عدا الصحفَ من الكتب الإلهية إلى الرُّسلِ عليهم السَّلامُ والله تعالى أعلم بأن يتلقاها الملَكُ من جنابِه عزَّ وجلَّ تلقياً روحانياً أو يحفَظَها من اللَّوحِ المحفوظِ فينزِلَ بها إلى الرسل فيُلقِيهَا عليهم عليهم السلام والمراد بما أنزل إليك هو القرآنُ بأسره والشريعةُ عن آخرها والتعبيرُ عن إنزاله بالماضي مع كون بعضِه مُترقَّباً حينئذ لتغليب المحقَّقِ على المقدار أو لتنزيل ما في شرَفِ الوقوعِ لتحقُّقه منزلةَ الواقعِ كما في قوله تعالى {إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} مع أن الجنَّ ما كانوا سمعوا الكتابَ جميعاً ولا كان الجميعُ إذ ذاك نازلاً وبما أنزل من قبلك التوراةُ والإنجيلُ وسائرُ الكتب السالفة وعدمُ التعريض لذكر من أُنزل إليه من الأنبياءِ عليهم السلام لقصد الإيجازِ مع عدم تعلُّقِ الغرَض بالتفصيل حسَبَ تعلقِه به في قوله تعالى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إبراهيم وإسماعيل} الآية والإيمانُ بالكل جملةً فرضٌ وبالقرآنِ تفصيلاً من حيث إنا متعبَّدون بتفاصيله فرضُ كفاية فإن في وجوبه على الكل عَيناً حَرَجاً بيناً وإخلالاً بأمر المعاش وبناءُ الفعلين للمفعول للإيذان تعين الفاعل والجري على شأن الكِبرياء وقد قُرئا على البناء للفاعل
{وبالأخرة هُمْ يُوقِنُونَ} الإيقانُ إتقانُ العلم بالشيء بنفي الشكِّ والشبهةِ عنه ولذلك لا يُسمَّى علمُه تعالى يقيناً أي يعلمون علماً قطعياً مُزيحاً لما كان أهلُ الكتاب عليه من الشكوك والأوهام التي من جملتها زعمُهم أن الجنة لا يدخُلها إلَاّ منْ كانَ هُوداً أو نصارى وأن النارَ لن تمسَّهم إلا أياماً معدوداتٍ واختلافُهم في أن نعيمَ الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا وهل هو دائم أو لا وفي تقديم الصلة وبناءِ يوقنون على الضمير تعريضٌ بمن عداهم من أهل الكتاب فإن اعتقادَهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة فضلاً عن الوصول إلى مرتبة اليقين والآخرةُ تأنيثُ الآخِر كما أن الدنيا تأنيثُ الأدنى غَلَبتا على الدارين فجرَتا مجرى الأسماء وقرئ بحذف الهمزةِ وإلقاءِ حركتِها على اللام وقرئ يوقنون بقلب الواو همزة إجراءً لضم ما قبلها مجرى ضمِّها في وجوه ووقتت ونظيرُه ما في قوله