ابن أسلم رحمهم الله تعالى وجعلُه عبارةً عن الحقِّ وإن شاع استعارته له كا ستعارة الظُّلمة للباطل يأباه مقامُ بيان شأن الآياتِ ووصفِها بما ذُكر منْ التَّبيين مع عدم سبق ذكر الحقِّ ولأنَّ المعتبرَ في مفهوم النُّور هو الظُّهورُ والإظهار كما هو شأنُ القُرآن الكريم وأما الحقُّ فالمعتبر في مفهومِه من حيثُ هو حقٌّ هو الظُّهورُ لا الإظهارُ والمراد بالمثل الصِّفةُ العجيبةُ أي صفة نوره العجيبة {كَمِشْكَاةٍ} أي كصفة كوة نافذةٍ في الجدار في الإنارة والتَّنويرِ {فِيهَا مِصْبَاحٌ} سراجٌ ضخمٌ ثاقبٌ وقيل المشكاةُ الأُنبوبةُ في وسطِ القنديلِ والمصباحُ الفتيلةُ المشتعلةُ {المصباح فِى زُجَاجَةٍ} أي قنديلٍ من الزُّجاجِ الصَّافي الأزهر وقرئ بفتح الزَّاي وكسرِها في الموضعينِ {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دري} متلألئ وقَّادٌ شبيه بالدُّرِّ في صفائه وزُهرته ودراري الكواكب عظامها المشهورة وقرئ درئ بدالٍ مكسورةٍ وراءٍ مشدَّدةٍ وياءٍ ممدودةٍ بعدها همزةٌ على أنَّه فِعيلٌ من الدَّرءِ وهو الدَّفعُ أي مبالغٌ في دفعِ الظَّلامِ بضوئهِ أو في دفعِ بعضِ أجزاءِ ضيائهِ لبعضٍ عند البريق واللمعان وقرئ بضمِّ الدَّال والباقي على حالهِ وفي إعادةِ المصباحِ والزجاجة معرفين إثرَ سبقهما مُنكرين والإخبار عنهما بما بعدهما مع انتظامِ الكلامِ بأنْ يقالَ كمشكاةٍ فيها مصباحٌ في زجاجةٍ كأنَّها كوكبٌ دُرِّيٌّ من تفخيمِ شأنهما ورفعِ مكانهِما بالتَّفسيرِ إثرَ الإبهامِ والتفصيل بعد الإجمال وبإثبات ما بعدهما لهما بطريقِ الإخبار المنبئ عن القصد الأصليِّ دونَ الوصفِ المبنيِّ على الإشارة إلى الثُّبوت في الجملةِ ما لا يخفى ومحلُّ الجملةِ الأُولى الرفع على أنها صفةُ لمصباحٌ ومحلُّ الثَّانيةِ الجرُّ على أنَّها صفةٌ لزجاجةٍ واللَاّمُ مغنيةٌ عن الرَّابط كأنه قيل فيها لمصباح الجرُّ على أنها صفةٌ لزجاجةٍ واللَاّمُ مغنيةٌ عن الرَّابط كأنَّه قيل فيها مصباحٌ هو في زُجاجةٍ هي كأنَّها كوكبٌ دُرِّيٌّ {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ} أي يبتدأُ إيقادُ المصباحِ من شجرةٍ {مباركة} أي كثيرةِ المنافعِ بأنْ رُويت ذبالتُه بزيتها وقيلَ إنَّما وُصفتْ بالبركةِ لأنَّها تنبتُ في الأرضِ التي باركَ اللَّهُ تعالى فيها للعالمينَ {زَيْتُونَةٍ} بدلٌ من شجرةٍ وفي إبهامِها ووصفِها بالبركةِ ثم الإبدالِ منها تفخيمٌ لشأنِها وقرئ توقد بالناء على أنَّ الضَّميرَ القائمَ مقامَ الفاعل للزُّجاجة دون المصباح وقرئ توقَّدَ على صيغة الماضي من التَّفعُّلِ أي ابتداءُ ثقوب المصباح منها وقرئ تَوقَّدُ بحذف إحدى التَّاءين من تتوقدُ على إسناده إلى الزُّجاجةِ {لَاّ شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} تقعُ الشَّمسُ عليها حيناً دُونَ حينٍ بل بحيثُ تقعُ عليها طولَ النَّهار كالتي على قُلَّة أو صحراء واسعةٍ فتقع الشَّمسُ عليها حالتَيْ الطُّلوع والغروب وهَذا قولُ ابنِ عبَّاسِ رضي الله عنهما وسعيدُ بن جبير وقَتادة وقال الفرَّاءُ والزَّجاجُ لا شرقيَّة وحدها ولا غربيَّة وحدها لكنَّها شرقيَّةٌ وغربيَّةٌ أي تصيبها الشَّمسُ عند طلوعِها وعند غروبِها فتكون شرقيَّةً وغربيَّةً تأخذ حظَّها من الأمرينِ فيكون زيتُها أضوأ وقيل لا ثابتة في شرقِ المعمُورة ولا في غربِها بل في وسطِها وهو الشَّامُ فإن زيوتَها أجودُ ما يكون وقيل لا في مَضحى تشرقُ الشَّمسُ عليها دائماً فتحرِقُها ولا في مَقْنأةٍ نغيب عنها دائما فتتركها نيأ وفي الحديث لا خيرَ في شجرةٍ ولا في نباتٍ في مَقْنأةٍ ولا خير فيهما في مَضْحى {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لم تمسسه نار} أي هو في الصَّفاءِ والإنارةِ بحيثُ يكادُ يُضيءُ بنفسِه من غير مساسِ نارٍ أصلا وكلمة في أمثالِ هذهِ المواقعِ ليستْ لبيان انتفاء شيءٍ في الزمان الماضي لانتفاء غيرِه فيه فلا يلاحظ لها جوابٌ قد حُذف ثقةٍ بدلالةِ ما قبلها عليه ملاحظة قصدية إلا عند القصدِ إلى بيان الإعرابِ على القواعد الصناعيةِ بل هي لبيان تحققِ ما يفيده الكلامُ السابق من الحُكم الموجَبِ أو المنفى كلما