سورة الفرقان ٨ ٩ جنايتهم المتعلِّقة بخصوصيَّةِ المنزَّلِ عليهِ وما استفهاميَّةٌ بمعنى إنكار الوقوع ونفيه مرفوعةٌ على الابتداءِ خبرُها مَا بعدها من الجارِّ والمجرورِ وفي هذا تصغيرٌ لشأنه صلى الله عليه وسلم وتسميته صلى الله عليه وسلم رسولاً بطريقِ الاستهزاءِ به صلى الله عليه وسلم كما قال فرعونُ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إليكم وقولُه تعالى {يَأْكُلُ الطعام} حالٌ من الرَّسولِ والعاملُ فيها ما عملَ في الجارِّ من مَعْنى الاستقرارِ أيْ أيُّ شيءٍ وأيُّ سببٍ حصلَ لهذا الذي يدَّعي الرِّسالةَ حالَ كونِه يأكلُ الطَّعامَ كما نأكلُ {وَيَمْشِى فِى الأسواق} لابتغاءِ الأرزاقِ كما نفعلُه على توجهيه الإنكارِ والنَّفي إلى السببِ فقط مع تحقُّقِ المُسبَّبِ الذي هو مضمون الجملة الحاليَّةِ كما في قوله تعالى فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وقوله مالكم لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً فكما أنَّ كلاً من عدمِ الإيمانِ وعدمِ الرجاءِ أمرٌ محققٌ قد أنكروا ستبعد تحقُّقه لانتفاءِ سببِه بل لوجود سبب نقيضه كذلك كل من الأكل والمشي أمرٌ محقَّقٌ قد استبعد تحقُّقه لانتفاءِ سببِه بل لوجود سبب عدمِه خَلَا أنَّ استبعادَ المسبَّبِ وإنكارَ السَّببِ ونفيَه في عدمِ الإيمانِ وعدمِ الرجاءِ بطريق التَّحقيقِ وفي الأكل والمشيِ بطريق التَّهكُّمِ والاستهزاء فإنَّهم لا يستبعدونهما ولا يُنكرون سببَهما حقيقةً بل هم مُعترفون بوجودِهما وتحقُّقِ سببِهما وإنَّما الذي يستبعدونَهُ الرِّسالةَ المُنافيةَ لهما على زعمِهم يعنون أنَّه إنْ صحَّ ما يدَّعيه فما بالُه لم يخالفْ حالُه حالَنا وهل هو إلا لعمهِهم ورَكَاكةِ عقولِهم وقصور أنظارهم على المحسُوسات فإنَّ تميُّزَ الرُّسلِ عمَّن عداهم ليس بأمورٍ جُسمانيَّةٍ وإنما هو بأمورٍ نفسانيَّةٍ كما أُشير إليه بقولِه تعالى قُلْ إنما أنا بشرٌ مثلُكم يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} أي على صورتِه وهيئتِه {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} تنزُّلٌ منهم من اقتراحِ أنْ يكونَ مَلَكاً مستغنيا عن الأكل والشرب إلى اقتراح أنْ يكونَ معه مَلكٌ يصدِّقه ويكون رِدْءاً له في الإنذار وهو يُعبر عنه ويفسِّر ما يقوله للعامَّةِ وقوله تعالى