سورة النمل (٦١) قوله تعالى فَأَنبَتْنَا لتأكيدِ اختصاصِ الفعلِ بذاتِه تعالى والإيذانِ بأنَّ إنباتَ تلك الحدائقِ المختلفةِ الأصنافِ والأوصافِ والألوانِ والطُّعومِ والرَّوائحِ والأشكالِ مع ما لها من الحُسنِ البارعِ والبهاءِ الرَّائعِ بماءٍ واحدٍ ممَّا لا يكادُ يُقدر عليه إلا هو وحده حسبما ينبئ عنه تقييدُها بقولِه تعالى مَّا كَانَ لَكُمْ الخ سواء كانت صفةً لها أو حالاً وتوحيدُ وصفها الأولِ أعني ذاتَ بهجةٍ لما أنَّ المَعنى جماعةُ حدائقَ ذاتُ بهجةٍ على نهجِ قولِهم النِّساءُ ذهبتْ وكذا الحالُ في ضميرِ شجرها {أإله مَّعَ الله} أي أإلهٌ آخرُ كائنٌ مع الله الذي ذُكرَ بعضُ أفعالِه التي لا يكادُ يقدرُ عليها غيرُه حتَّى يتوهَّم جعلَه شريكاً له تعالَى في العبادةِ وهذا تبكيتٌ لهم بنفي الألوهيةِ عمَّا يُشركونه به تعالى في ضمنِ النَّفي الكليِّ على الطريقةِ البُرهانيةِ بعد تبكيتِهم بنفي الخيريةِ عنْهُ بما ذكرَ من التَّرديدِ فإنَّ أحداً ممَّن له تمييزٌ في الجُملةِ كما لا يقدرُ على إنكارِ انتفاءِ الخيريةِ عنه بالمرةِ لا يُكاد يَقدِر على إنكارِ انتفاءِ الألوهيةِ عنه رأساً لا سيَّما بعد ملاحظةِ انتفاءِ أحكامِها عمَّا سواهُ تعالى وهكذا الحالُ في المواقعِ الأربعةِ الآتيةِ وقيل المرادُ نفَي أنْ يكونَ معه تعالى إلهٌ آخرُ فيما ذكر من الخلقِ وما عطفَ عليه لكن لا على أنَّ التبكيتَ بنفس ذلك النفي فقط كيفَ لا وهم لا يُنكرونَه حسبما ينطِق به قولُه تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ من خَلَقَ السمواتِ والأرضِ لَيَقُولُنَّ الله بل بإشراكِهم به تعالَى في العبادةِ ما يعترفون بعدمِ مشاركتِه له تعالى فيما ذكرَ من لوازمِ الألوهيَّةِ كأنَّه قيلَ أإلهٌ آخرُ مع الله في خواصِّ الأُلوهيةِ حتى يجعل شريكا له تعالى في العبادةِ وقيل المعنى أغيرُه يُقرن به ويجعلُ له شريكاً في البعادة مع تفرد تعالى بالخلقِ والتَّكوينِ فالإنكارُ للتوبيخِ والتبكيتِ مع تحقيقِ المنكرِ دون النفي كما في الوجهينِ السابقينِ والأولُ هو الأظهرُ الموافقُ لقولِه تعالَى وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إله والأوفى بحقِّ المقامِ لإفادتِه نفي وجودِ إلهٍ آخرَ معه تعالى رأساً لا نفيَ معيَّته في الخلقِ وفروعِه فقط وقرئ آإلهٌ بتوسيطِ مدةٍ بينَ الهمزتينِ وبإخراجِ الثَّانيةِ بينَ بين وقرئ أإلها بإضمار فعلٍ يناسبُ المقامَ مثل أندعون أو أتشركونَ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} إضرابٌ وانتقالٌ من تبكيتِهم بطريقِ الخطابِ إلى بيانِ سوءٍ حالِهم وحكايتِه لغيرِهم أي بل هُم قومٌ عادتُهم العُدولُ عن طريقِ الحقِّ بالكليةِ والانحراف عن الساتقامة في كلِّ أمرٍ من الأمورِ فلذلك يفعلونَ ما يفعلونَ من العُدول عن الحقِّ الواضحِ الذي هو التَّوحيدُ والعُكوفُ على الباطلِ البيِّن الذي هو الإشراكُ وقيل يعدلونَ به تعالَى غيرَهُ وهو بعيدٌ خالٍ عن الإفادةِ