للموضوع مفروغاً عنه غيرَ مقصودٍ بالذات ويكونُ مناطَ الإفادة كونُهم من أولئك المذكورين ولا ريب لأحدٍ في أنه يجب حملُ النظم الجليلِ على أجزلِ المعاني وأكملِها وتوحيدُ الضمير في يقول باعتبار لفظةِ مَن وجمعُه في قوله
{آمنا بالله وباليوم الأخر} وما بعده باعتبار معناها والمرادُ باليوم الآخِرِ من وقت الحشر الى مالا يتناهى أو إلى أن يدخُلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النار النارَ إذ لا حدَّ وراءه وتخصيصُهم للإيمان بهما بالذكر مع تكرير الباءِ لادعاء أنهم قد حازوا الإيمانَ من قُطريه وأحاطوا به من طرفيه وأنهم قد آمنوا بكلَ منهما على الأصالة والاستحكام وقد دسوا تحته ماهم عليه من العقائد الفاسدة حيث لم يكن إيمانُهم بواحد منهما إيماناً في الحقيقة إذ كانوا مشركين بالله بقولهم عَزِيزٌ ابن الله وجاحدين باليوم الآخر بقولهم لَن تَمَسَّنَا النار إلا أياما معدودة ونحوذلك وحكايةُ عبارتهم لبيان كمالِ خبثهم ودعارتِهم فإن ما قالوا لو صدر عنهم لا على وجه الخِداعِ والنفاقِ وعقيدتُهم عقيدتُهم لم يكن ذلك إيماناً فكيف وهم يقولونه تمويهاً على المؤمنين واستهزاءً بهم
{وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} ردٌّ لما ادعَوْه ونفيٌ لما انتحلوه وما حجازية فإن جوازَ دخولِ الباء في خبرها لتأكيد النفي اتفاقيٌّ بخلاف التميمية وإيثارُ الجملة الاسميةِ على الفعلية الموافقةِ لدعواهم المردودةِ للمبالغة في الرد بإفادة انتفاءِ الإيمانِ عنهم في جميع الأزمنة لا في الماضي فقط كما يفيده الفعلية ولا يُتوهمَن أن الجملة الاسمية الإيجابية تفيد دوام الثبوت فعند دخول النفي عليها يتعين الدلالة على نفي الدوام فإنها بمعونة المقام تدل على دوام النفي قطعاً كما أن المضارعُ الخاليَ عن حرف الامتناع يدل على استمرار الوجود وعند دخول حرف الامتناع عليه يدل على استمرار الامتناع لا على امتناع الاستمرار كما في قوله عز وجل وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فإن عدم قضاءِ الأجلِ لاستمرار عدم التعجيل لا لعدم استمرارِ التعجيل وإطلاقُ الإيمان عما قيدوه به الإيذان بأنهم ليسوا من جنس الإيمان في شيء أصلاً فضلاً عن الإيمان بما ذكروا وقد جُوز أن يكون المراد ذلك ويكون الإطلاق للظهور ومدلولُ الآية الكريمة أن من أظهر الإيمان واعتقادُه بخلافه لا يكون مؤمناً فلا حجة فيها على الكرامية القائلين بأن من تفوّه بكلمتي الشهادة فارغَ القلب عما يوافقه أو ينافيه مؤمنٌ