الاكتسابِ في جانب الشر لما فيه من اعتمال ناشئ من اعتناء النفسِ بتحصيل الشر وسعيها في طلبه
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} شروعٌ في حكايةِ بقيةِ دعواتِهم إثرَ بيانِ سرِّ التكليف أي لا تؤاخِذنا بما صدر عنا من الأمور المؤدية إلى النسيان أو الخطأ من تفريطٍ وقلةِ مبالاة ونحوِهما مما يدخُل تحت التكليفِ أوبأنفسهما من حيث ترتّبُهما على ما ذكر أو مطلقاً إذ لا امتناعَ في المؤاخذة بهما عقلاً فإن المعاصيَ كالسُّموم فكما أن تناولها ولو سهواً أو أخطأ مؤدَ إلى الهلاك فتعاطي المعاصي أيضاً لا يبعُد أن يفضِيَ إلى العقاب وإن لم يكن عن عزيمة ووعدُه تعالى بعدمه لا يوجب استحالةَ وقوعه فإن ذلك من آثار فضله ورحمته كما ينبئ عنه الرفعُ في قولِهِ عليهِ السلامُ رفع عن أُمِّتي الخطأُ والنِّسيانُ وقد روي أن اليهود كانوا إذا نسُوا شيئاً عُجِّلت لهم العقوبة فدعاؤُهم بعد العلم بتحقق الموعود للاستدامة والاعتداد بالنعمة في ذلك كما في قوله تعالى {ربنا وآتنا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ}
{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} عطفٌ على ما قبله وتوسيطُ النداء بينهما لإبراز مزيدِ الضراعة والإصرُ العِبءُ الثقيلُ الذي يأصِرُ صاحبَه أي يحبِسُه مكانه والمرادُ به التكاليفُ الشاقة وقيل الإصرُ الذنبُ الذي لا توبةَ له فالمعنى اعصِمْنا من اقترافه وقرئ آصاراو قرئ ولا تُحَمِّلْ بالتشديد للمبالغة
{كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا} في حيز النصبِ على أنه صفةٌ لمصدر محذوفٍ أي حَمْلاً مثلَ حملِك إياه على مَنْ قبلَنا أو على أنه صفةٌ لإصراً أي إصراً مثلَ الإصرِ الذي حَمَلته على مَنْ قبلنا وهو ما كُلّفه بنو إسرائيل من بخْعِ النفس في التوبة وقطع موضِعِ النجاسةِ وخمسينَ صلاةً في يوم وليلة وصرفِ رُبُع المال للزكاة وغيرِ ذلك من التشديدات فإنهم كانوا إذا أتَوْا بخطيئة حَرُم عليهم من الطعام بعضُ ما كان حلالاً لهم قال الله تعالى فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ وقد عصم الله عز وجل بفضله ورحمته هذه الأمة عن أمثال ذلك وأنزل في شأنهم وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والاغلال التى كَانَتْ عليهم وقال صلى الله عليه وسلم بُعثتُ بالحنيفية السهلة السَّمْحة وعن العقوبات التي عوقب بها الأولون من المسْخِ والخسْف وغيرِ ذلك قال صلى الله عليه وسلم رُفع عن أُمَّتي الخسفُ والمسخُ والغَرَق
{رَبَّنَا وَلَا تُحَمّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} عطفٌ على ما قبله واستعفاءٌ عن العقوبات التي لا تُطاق بعد الاستعفاء عما يؤدي إليها التفريطُ فيه من التكاليف الشاقةِ التي لا يكاد مَنْ كُلِّفها يخلو عن التفريط فيها كأنه قيل لا تكلِّفْنا تلك التكاليفَ ولا تعاقِبْنا بتفريطنا في المحافظة عليها فيكونُ التعبيرُ عن إنزال العقوباتِ بالتحميل باعتبار ما يؤدي إليها وقيل هو تكريرٌ للأول وتصوير للإصر بصورة مالا يُستطاع مبالغة وقيل هو استعفاءٌ عن التكليف بما لا تفي به الطاقةُ البشرية حقيقة فيكون دليلاً على جواره عقلاً وإلا لما سُئل التخلص عنه والتشديد ههنا لتعدية الفعل إلى مفعول ثانٍ
{واعف عَنَّا} أي آثارِ ذنوبنا
{واغفر لَنَا} واستُرْ عيوبَنا ولا تفضَحْنا على رءوس الأشهادِ
{وارحمنا} وتعطَّفْ بنا وتفضَّلْ علينا وتقديمُ طلبِ العفوِ والمغفرةِ على طلب الرحمةِ لما أن التخلِيَةَ سابقةٌ على التحلية
{أَنتَ مولانا} سيدُنا ونحن عبيدُك او ناصرنا اومتولى أمورِنا
{فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} فإن من حقّ المولى أن ينصُرَ عبده ومن يتولّى أمرَه على الأعداء والمرادُ به عامةُ الكفرة وفيه إشارة إلى أن إعلاء كلمةِ الله والجهادَ في سبيله تعالى حسبما أُمر في تضاعيفِ السورةِ الكريمةِ غايةُ مطالبهم رُوي أنه عليه الصلاة والسلام لمّا دعا