٣٨ - آل عمران
تربيتها بما يُصلِحها في جميع أحوالها
{نَبَاتًا حَسَنًا} مصدرٌ مؤكدِّ للفعل المذكور بحذف الزوائد وقيل بل لفعل مُضمر موافقٍ له تقديرُه فنبتت نباتاً حسناً
{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أي جعله عليه الصلاة والسلام كافلاً لها وضامناً لمصالحها قائماً بتدبير أمورِها لا على طريقة الوحي بل على ما ذكر من التفصيل فإن رغبته عليه الصلاة والسلام في كفالتها وطُفوَّ قلمِه ورسوبَ أقلامِهم وغيرَ ذلكَ من الأمورِ الجارية بينهم كلُّها من آثار قدرته تعالى وقرئ اكفلها وقرئ زكرياء بالنصب والمد وقرئ بتخفيف الفاء وكسرِها ورفع زكرياء ممدودا وقرئ وتقبَّلْها ربَّها وأنبِتْها وكفَّلْها على صيغة الأمر في الكل ونصبِ ربها على الدعاء أي فاقبلها يا ربها وربِّها تربيةً حسنةً واجعلْ زكريا كافلاً لها فهو تعيينٌ لجهة التربية قيل بنى عليه الصلاة والسلام لها مِحْراباً في المسجد أي غرفةً يُصعد إليها بسُلّم وقيل المحرابُ أشرفُ المجالس ومُقدَّمُها كأنها وضعت في أشرف موضعٍ من بيت المقدس وقيل كانت مساجدُهم تسمى المحاريب روي أنه كان لا يدخل عليها إلا هو وحده وإذا خرج غلّق عليها سبعة أبواب
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب} تقديمُ الظرف على الفاعل لإظهار كمالِ العناية بأمرِها ونصبُ المحراب على التوسّع وكلمة كُلَّمَا ظرف عَلى أنَّ مَا مصدريةٌ والزمان محذوف أو نكرةٌ موصوفة معناها الوقتُ والعائد محذوفٌ والعامل فيها جوابُها أي كلَّ زمانِ دخولِه عليها أو كلَّ وقتٍ دخل عليها فيه
{وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} أي نوعاً منه غيرَ معتاد إذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها في الصيف فاكهةَ الشتاء وفي الشتاء فاكهةَ الصيف ولم ترضَعْ ثدياً قط
{قَالَ} استئنافٌ مبني على السؤالِ كأنَّه قيلَ فماذَا قال زكريا عليه الصلاةُ والسلامُ عند مشاهدةِ هذه الآية فقيل قال
{يا مريم أنى لَكِ هذا} أي من اين يجيء لك هذا الذي لا يُشبه أرزاقَ الدنيا والأبوابُ مغلقةٌ دونك وهو دليل على جواز الكرامةِ للأولياء ومن أنكرها جعلَ هذا إرهاصاً وتأسيساً لرسالة عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وَأَمَّا جعلُه معجزةً لزكريا عليه الصلاة والسلام فيأباه اشتباهُ الأمر عليه عليه السلام وإنما خاطبها عليه الصلاة والسلام بذلك مع كونها بمعزلٍ من رتبة الخطاب لما علم بما شاهده أنها مؤيَّدةٌ من عند الله بالعلم والقدرة
{قَالَتْ} استئناف كما قبله كأنه قيل فماذا صنعت مريمُ وهي صغيرة لا قُدرةَ لها على فهم السؤال ورد الجواب فقيل قالت
{هُوَ مِنْ عِندِ الله} فلا تعجبْ ولا تستبعد
{إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء} أنْ يرزُقَه
{بِغَيْرِ حِسَابٍ} أيْ بغيرِ تقدير لكثرته أو بغير استحقاقٍ تفضلاً منه تعالى وهو تعليلٌ لكونِه من عند الله اما من تمام كلامهما فيكونُ في محل النصب واما من كلامه عز وجل فهو مستأنفٌ روي أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رغيفين وبضعةَ لحم فرجع بها إليها فقال هلُمّي يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوءٌ خبزاً ولحماً فقال لها أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حساب فقال عليه الصلاة والسلام الحمدُ لله الذي جعلك شبيهةً بسيدة بني إسرائيلَ ثم جمع علياً والحسنَ والحسينَ وجميعَ أهلِ بيته رضوانُ الله عليهم أجمعين فأكلوا وشبِعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت على جيرانها