أحوالِه عليه السلام إثرَ ما أُشيرَ إلى طرَفٍ منها بطريق النقلِ عن الملائكة والفاءُ فصيحة تُفصِحُ عن تحقُّق جميعِ ما قالته الملائكةُ وخروجُه من القوةِ إلى الفعلِ حسبما شرحتُه كما في قوله تعالى فَلَمَّا رَآهُ مُستقرّاً عِندَه بعد قوله تعالى {أنا آتيك بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إليك طرفك} كأنه قيل فحمَلته فولدتْه فكان كيتَ وكيت وقال ذيتَ وذيت وإنما لم يذكر اكتفاءً بحكاية الملائكةِ وإيذاناً بعدم الخُلْفِ وثقةً بما فُصّل في المواضع الأُخَرِ وأما عدمُ نظمِ بقية احواله عليه الصلاة السلام في سلك النقلِ فإما للاعتناء بأمرِها أو لعدم مناسبتها لمقام البشارة لما فيها من ذكر مُقاساتِه عليه الصلاة والسلام للشدائد ومعاناتِه للمكايد والمرادُ بالإحساس الإدراكُ القويُّ الجاري مَجرَى المشاهدةِ وبالكفر إصرارُهم عليه وعتوُّهم ومكابرتُهم فيه مع العزيمة على قتلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كما ينبئ عنه الإحساسُ فإنه إنما يُستعمل في أمثالِ هذهِ المواقعِ عند كونِ مُتعلّقِه أمراً محذوراً مكروهاً كما في قوله عز وجل فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هم منا يَرْكُضُونَ وكلمةُ مِنْ متعلقةٌ بأحسّ والضميرُ المجرورُ لبني إسرائيلَ أي ابتدأ الإحساسَ من جهتهم وتقديمُ الجارِّ والمجرور على المفعول الصريح لما مر غيرَ مرةٍ من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخَّر وقيل متعلقةٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من الكفر
{قال} أي لخص لأصحابه لا لجميعِ بني إسرائيلَ لقوله تعالى {كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ} الآية وقوله تعالى {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} ليس بنص في توجيه الخطابِ إلى الكل بل يكفي فيه بلوغُ الدعوة إليهم
{مَنْ أَنصَارِى} الأنصارُ جمع نصير كأشراف جمع شريف
{إِلَى الله} متعلقٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً من الياء أي مَنْ أنصاري متوجهاً إلى الله ملتجئاً إليه أو بأنصاري متضمناً معنى الإضافةِ كأنه قيل مَنِ الذين يُضيفون أنفسَهم إلى الله عزَّ وجلَّ ينصُرونني كما ينصُرني وقيل إلى بمعنى في أي في سبيل الله وقيل بمعنى اللام وقيل بمعنى مع
{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ينساق إليه الذهنُ كأنه قيل فماذا قالوا في جوابِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فقيلَ قال
{الحواريون} جمعُ حَواريّ يقال فلان حَواري فلان أي صفوتُه وخالصتُه من الحَوَر وهو البياضُ الخالص ومنه الحوارياتُ للحَضَريات لخُلوص ألوانِهن ونقائِهن سُمّي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخُلوص نياتِهم ونقاءِ سرائرِهم وقيل لِمَا عليهم من آثار العبادةِ وأنوارِها وقيل كانوا ملوكا يلبسون البيض وذلك أن واحداً من الملوك صنعَ طعاماً وجمع الناسَ عليه وكان عيسى عليه الصلاة والسلام على قصعةٍ لا يزال يأكلُ منها ولا تنقُص فذكروا ذلك للملك فاستدعاه عليه الصلاة والسلام فقال له من أنت قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ فترك مُلكَه وتبِعه مع أقاربه فأولئك هم الحَواريون وقيل كانوا صيادين يصطادون السمكَ يلبَسون الثيابَ البيض فيهم شمعونُ ويعقوبُ ويوحنا فمر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام فقال لهم أنتم تصيدون السمكَ فإن اتبعتموني صَرْتم بحيث تصيدون الناسَ بالحياة الأبدية قالوا من أنت قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ عبدُ اللَّه ورسولُه فطلبوا منه المعجزة وكان شمعونُ قد رمى شبكتَه تلك الليلةَ فما اصطاد شيئاً فأمره عيسى عليه الصلاة والسلام بإلقائها في الماء مرةً أخرى ففعل فاجتمع في الشبكة من السمك ما كادَتْ تتمزقُ واستعانوا بأهل سفينة أخرى وملئوا السفينتين فعند ذلك آمنوا بعيسى عليه السلام وقيل كانوا اثنيْ عشرَ رجلاً آمنوا به عليه الصلاة والسلام واتبعوه وكانوا إذا جاعوا قالوا جُعْنا يا روحَ الله فيضرِب بيده الأرضَ فيخرُجُ منها لكل واحد رغيفان وإذا عطِشوا قالوا