منهم أربعةُ آلافِ رجلٍ فأخذوا باب الغرفة فقال المسيحُ للحواريين أيُكم يخرجُ ويُقتل ويكونُ معي في الجنة فقال واحد منهم أنا يا نبيَّ الله فألقى عليه مدرعة من صوفٍ وعِمامةٍ من صوف وناوله عكّازَه وأُلقيَ عليه شبه عيسى عليه الصلاة والسلام فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فكساه الله الريشَ والنورَ وألبسه النورَ وقطع عنه شهوةَ المطعمِ والمشرب وذلك قوله تعالى إِنّي مُتَوَفّيكَ فطار مع الملائكة ثم إن أصحابه حين رأَوْا ذلك تفرَّقوا ثلاثَ فِرَقٍ فقالت فِرقةٌ كان الله فينا ثم صعِدَ إلى السماء وهم اليعقوبيةُ وقالت فرقة أخرى كان فينا ابنُ الله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهم النسطوريةُ وقالت فرقةٌ أخرى منهم كان فينا عبدُ الله ورسولُه ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء هم المسلمون فتظاهرت عليهم الفرقتانِ الكافرتان فقتلوهم فلم يزل الإسلامُ منطمساً إلى أن بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم
{وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} أي إلى محل كرامتي ومقرِّ ملائكتي
{وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} أي من سوء جوارِهم وخبثِ صُحبتِهم ودنَسِ معاشرتِهم
{وَجَاعِلُ الذين اتبعوك} قال قتادةُ والربيعُ والشعبيُّ ومقاتِلٌ والكلبيُّ هم أهل الإسلام الذين صدّقوه واتبعوا دينَه من أمة محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم دون الذين كذّبوه وكذَبوا عليه من النصارى
{فَوْقَ الذين كَفَرُواْ} وهم الذين مكروا به عليه الصلاة والسلام ومن يسير بسيرتهم من اليهود فإن أهلَ الإسلام فوقهم ظاهرين بالعزة والمَنَعة والحُجة وقيل هم الحواريون فينبغي أن تُحمل فوقيتُهم على فوقية المسلمين بحكم الاتحادِ في الإسلام والتوحيد وقيل هم الرومُ وقيل هم النصارى فالمرادُ بالاتباع مجرَّدُ الادعاء والمحبة وإلا فأولئك الكفرةُ بمعزل من أتباعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
{إلى يَوْمِ القيامة} غايةٌ للجعل أو للاستقرار المقدّرِ في الظرف لا على مَعْنى أنَّ الجعلَ أو الفوقيةَ تنتهي حينئذ ويتخلّص الكفرةُ من الذِلة بل على مَعْنى أنَّ المسلمين يعلُونهم إلى تلك الغاية فأما بعدها فيفعل الله تعالى بهم ما يريد
{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي رجوعكم بالبعث وثم للتراخي وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ للقصرِ المفيدِ لتأكيد الوعدِ والوعيد والضمير لعيسى عليه الصلاة والسلام وغيرِه من المتبعين له والكافرين به على تغليبُ المخاطَب على الغائبِ في ضمن الالتفاتِ فإنه أبلغُ في التبشير والإنذار
{فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يومئذ إثرَ رجوعِكم إليّ
{فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من أمور الذين وفيه متعلقٌ بتختلفون وتقديمُه عليه لرعاية الفواصلِ