للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

البقرة (١٩)

الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظروا إلى آيات التوحيد المنصوبةِ في الآفاق والأنفسِ بعين التدبر وأصروا على ذلك بحيث لم يبقَ لهم احتمالُ الارعواء عنه صاروا كفاقدي تلك المشاعر بالكلية وهذا عند مُفْلقي سَحَرة البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسي التشبيه كما في قول من قال

ويصعَدُ حتى يظنَّ الجهول ... بأن له حاجةً في السماءْ

لما أن المقدر في النظم في حكم الملفوظ لا من قبيل الاستعارة التي يطوى فيها ذكرُ المستعار له بالكلية حتى لو لم يكن هناك قرينة لحمل على المعنى الحقيقي كما في قولِ زُهيرٍ

لدى أسدٍ شاكي السلاحِ مُقذَّف ... له لِبَدٌ أظفارُه لم تُقَلَّمِ

{فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} الفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها أي هم بسبب اتصافِهم بالصفات المذكورة لا يعودون إلى الهدى الذي تركوه وضيّعوه أو عن الضلالة التي أخذوها والآيةُ نتيجةٌ للتمثيل مفيدةٌ لزيادة تهويلٍ وتفظيع فإن قصارى أمرِ التمثيل بقاؤهم في ظلماتٍ هائلة من غير تعرضٍ لمَشْعَريْ السمع والنطق ولاختلال مَشعَرِ الإبصار وقيل الضمير المقدر وما بعده للموصول باعتبار المعنى كالضمائر المتقدمة فالآية الكريمة تتَّمةٌ للتَّمثيل وتكميلٌ له بأن ما أصابهم ليس مجردَ انطفاء نارهم وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة مع بقاء حاسة البصر بحالها بل اختلت مشاعرُهم جميعاً واتصفوا بتلك الصفات على طريقة التشبيه أو الحقيقة فبقوا جامدين في مكاناتهم لا يرجعون ولا يدْرون أيتقدّمون أم يتأخرون وكيف يرجِعون إلى ما ابتدأوا منه والعدولُ إلى الجُملةِ الاسميَّةِ للدَلالة على استمرار تلك الحالة فيهم وقرئ صماً بكماً عمياً إما على الذم كما في قوله تعالى {حَمَّالَةَ الحطب} والمخصوصُ بالذم هم المنافقون أو المستوقدون وإما على الحاليةِ من الضميرِ المنصوب في تَرَكهم أو المرفوع في لا يبصرون وإما على المفعولية لتركهم فالضميران للمستوقدين

<<  <  ج: ص:  >  >>