بل على أن المقصودَ تذكيرُ الزمانِ الممتدِّ المتسعِ لابتداء الخروجِ والتبْوِئة وما يترتب عليها إذْ هو المُذكِّرُ للقصة وإنما عُبّر عنه بالغدو الذي هو الخروجُ غُدوةً مع كون خروجِه عليه السلام بعد صلاةِ الجمعةِ كما ستعرفه إذْ حينئذٍ وقعت التبوئةُ التي هي العُمدةُ في الباب إذِ المقصودُ بتذكير الوقت تذكير مخالفتهم لأمرالنبي صلى الله عليه وسلم وتزايُلِهم عن أحيازهم المعيَّنةِ لهم عند التبوئة وعدمِ صبرِهم وبهذا يتبين خللُ رأي من احتج به على جواز أداءِ صلاةِ الجمعة قبل الزوال واللام في قوله تعالى
{لِلْقِتَالِ} إما متعلقةٌ بتبوِّيء أي لأجل القتالِ وإما بمحذوف وقع صفة لمقاعدَ أي كائنةً ومقاعدُ القتالِ أماكنُه ومواقِفُه فإن استعمالَ المقعدِ والمقامِ بمعنى المكانِ اتساعاً شائعٌ ذائعٌ كما في قوله تعالى {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} وقوله تعالى {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} روي أن المشركين نزلوا بأُحد يومَ الأربَعاءِ فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه ودعا عبدُ اللَّه بن أبي بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبدُ اللَّه وأكثرُ الأنصار يا رسولَ الله أقِم بالمدينة ولا تخرُجْ إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبْنا منه فكيف وأنت فينا فدَعْهم فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مَحبِس وإن دخلوا قاتلهم الرجالُ في وجوههم ورماهم النساءُ والصبيانُ بالحجارة وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضُهم يارسول الله اخرُجْ بنا إلى هؤلاء الأكلُبِ لا يرَوْن أنا قد جبُنّا عنهم فقال صلى الله عليه وسلم إني قد رأيت في منامي بقراً مُذَبَّحةً حولي فأوّلتُها خيراً ورأيت في ذُباب سيفي ثُلَماً فأولتُه هزيمةً ورأيتُ كأني أدخلتُ يدي في درعٍ حصينةٍ فأولتُها المدينة فإن رأيتم أن تُقيموا بالمدينة فتدعوهم فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدرٌ وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يومئذ اخرُجْ بنا إلى أعدائنا وقال النعمانُ بنُ مالكٍ الأنصارى رضيَ الله عُنهُ يا رسولَ الله لاتحرمنى الجنةَ فوالذي بعثك بالحق لأدخُلَنَّ الجنة ثم قال بقوليْ أُشْهِدُ أَن لَاّ إلَه إِلَاّ الله وأني لا أفِرُّ من الزحف فلم يزالوا به عليه السلام حتى دخل فلبِس لأمته فلما رأَوْه كذلك ندِموا وقالوا بئسما صنعنا نشير على رسول الله والوحيُ يأتيه وقالوا اصنع يارسول الله ما رأيت فقال ما ينبغي لنبيَ أن يلبس لأمته فيضعَها حتى يقاتل فخرج يومَ الجمعة بعد صلاةِ الجمعةِ وأصبح بالشِّعب من أحُد يوم السبْتِ للنصف من شوالٍ لسنةِ ثلاثٍ من الهجرة فمشى على رجليه فجعل يصُفُّ أصحابَه للقتال فكأنما يقوّم بهم القِدْحَ إن رأى صدراً خارجاً قال تأخَّرْ وكان نزولُه في عُدوة الوادي وجعل ظهرَه وعسكرَه إلى أحُد وأمَّر عبدَ اللَّه بنَ جُبيرٍ على الرماة وقال لهم انضَحُوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا ولا تبرَحوا من مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانَكم
{والله سَمِيعٌ} لأقوالكم
{عَلِيمٌ} بضمائركم والجملةُ اعتراضٌ للإيذان بأنه قد صدر عنهم هناك من الأقوال والأفعال مالا ينبغي صدورُه عنهم