الخبيث مِنَ الطيب أو هو على حقيقته معتبَرٌ من حيث تعلُّقُه بالمعلوم من حيث إنه موجود بالفعل إذْ هُو الذي يدورُ عليه فلك الجزاء لا من حيث أنه موجودٌ بالقوة وإطلاقُ الإيمانِ مع أن المرادَ هو الرسوخُ والإخلاصُ فيه للإيذان بأن اسمَ الإيمانِ لا ينطلق على غيره والالتفاتُ إلى الغَيبة بإسناده إلى اسم الذاتِ المستجمِعِ للصفات لتربية المهابةِ والإشعارِ بأن صدورَ كلِّ واحدٍ مما ذكر بصدد التعليلِ من أفعاله تعالى باعتبار منشإٍ معيّنٍ من صفاته تعالى مغايرٌ لمنشإ الآخَر والجملةُ علةٌ لما هو فردٌ من أفراد مُطلقِ المداولةِ التي نطقَ بها قولُه تعالى نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس من المداولة المعهودةِ الجاريةِ بين لفريقي المؤمنين والكافرين واللامُ متعلقةٌ بما دل عليه المطلقُ من الفعل المقيَّدِ بالوقوع بين الفريقين المذكورين أو بنفس الفعلِ المطلقِ باعتبار وقوعِه بينهما والجملةُ معطوفةٌ على علةٍ أخرى لها معتبرةٍ إما على الخصوص والتعيينِ محذوفة لدَلالة المذكورةِ عليها لكونها من مباديها كأنه قيل نداولها بينكم وبين عدوِّكم ليظهرَ أمرُكم وليَعلَمَ الخ فإن ظهورَ أعمالِهم وخروجَها من القوةِ إلى الفعلِ من مبادى تمييزِهم عن غيرهم ومواجبِ تعلّقِ العلمِ الأزليِّ بها من تلك الحيثيةِ وكذا الحالُ في باب التمثيل فتأملْ وإما على العموم والإبهامِ للتنبيه على أن العللَ غيرُ منحصِرَةٍ فيها عُدِّد من الأمور وأن العبد يسوءه ما يجري عليه من النوائب ولا يشعُر بأن الله تعالى جعل له في ذلك من الألطاف الخفية مالا يخطر بالبال كأنه قيل نداولها بينكم ليكونَ من المصالح كيت وكيت وليَعلَمَ الخ وفيه من تأكيد التسليةِ ومزيدِ التبصرة مالا يخفى وتخصيصُ البيان بعلة هذا الفردِ من مطلقِ المداولةِ دون سائر أفرادِها الجاريةِ فيما بين بقيةِ الأممِ تعييناً أو إبهاماً لعدم تعلقِ الغرضِ العلميِّ ببيانها ولك أن تجعلَ المحذوفَ المبْهَمَ عبارةً عن علل سائرِ أفرادِها للإشارة إجمالاً إلى أن كلَّ فردٍ من أفرادها له علةٌ داعيةٌ إليه كأنه قيل نداولها بين الناس كافةً ليكونَ كيت وكيت من الحِكَم الداعيةِ إلى تلك الأفرادِ وليَعلمَ الخ فاللامُ الأولى متعلقةٌ بالفعل المطلق باعتبار تقييده بتلك اللإفراد والثانية باعتبار تقييده بالفرد المعهودِ وقيل هي متعلقةٌ بمحذوفٍ مؤخَّرٍ تقديرُه وليعلمَ الله الذين آمنوا فَعَل ذلك
{وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} جمعُ شهيدٍ أي ويُكرِمَ ناساً منكم بالشهادة وهم شهداءُ أحُدٍ فمِنْ ابتدائيةٌ أو تبعيضيةٌ متعلقةٌ بيتخذ أو بمحذوفٍ وقعَ حالاً من شهداءَ أو جمعُ شاهدٍ أي ويتخذ منكم شهوداً معدلين بما ظهر منهم من الثبات على الحق والصبرِ على الشدائد وغيرِ ذلك من شواهد الصدقِ ليشهدوا على الأممِ يومَ القيامةِ فمِنْ بيانيةٌ لأن تلك الشهادةَ وظيفةُ الكلِّ دون المستشهَدين فقط وأيا ما كان ففي لفظ الاتخاذ المنبئ عن الاصطفاء والتقريبِ من تشريفهم وتفخيم شأنهم مالا يخفى وقولُهُ تعالى
{والله لَا يُحِبُّ الظالمين} اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله ونفيُ المحبةِ كنايةٌ عن البغض وفي إيقاعه على الظالمين تعريضٌ بمحبته تعالى لمقابليهم والمرادُ بهم إما غيرُ الثابتين على الإيمان فالتقريرُ من حيث إن بغضَه تعالى لهم من دواعي إخراجِ المخلِصينَ المصطَفَيْنَ للشهادة من بينهم وإما الكفرةُ الذين أُديل لهم فالتقريرُ من حيث إن ذلك ليس بطريق النُصرةِ لهم فإنها مختصةٌ بأوليائه تعالى بل لِما ذُكر من الفوائدِ العائدةِ إلى المؤمنين وقوله تعالى