١٧٧ - آل عمران النهيَ عن التأثير نهيٌ عن التأثر بأصله ونفيٌ له بالمرة وقد يُوجِّه النهيُ إلى اللازم والمرادُ هو النهيُ عن الملزوم كما في قولك لا أُرَينّك ههنا وقرأ لا يُحزِنْك من أحزَن المنقولِ من حزِن بكسرِ الزَّاي والمعنى واحدٌ وقيل معنى حزَنه جعل فيه حُزْناً كما في دهَنه أي جعل فيه دُهْناً ومعنى أحزنه جعله حزيناً وقيل معنى حزَنه أحدث له الحزَن ومعنى أحزنه عرَّضه للحُزْن
{إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله} تعليلٌ للنهي وتكميلٌ للتسلية بتحقيق نفيِ ضررِهم أبداً أي لن يضروا بذلك أولياءَ الله البتةَ وتعليقُ نفي الضررِ به تعالى لتشريفهم والإيذانِ بأن مُضارَّتَهم بمنزلة مضارَّتِه سبحانه وفيه مزيدُ مبالغةٍ في التسلية وقوله تعالى
{شَيْئاً} في حيز النصبِ على المصدرية أي شيئاً من الضرر والتنكيرُ لتأكيد ما فيه من القلة والحقارةِ وقيل على نزعِ الجارِّ أي بشئ ما أصلاً وقيل المعنى لن يَنقصُوا بذلك من مُلكه تعالى وسلطانِه شيئاً كما روى أبو ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى لو أنَّ أولَكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجُلٍ منكم ما زادَ ذلكَ في مُلكي شيئاً ولو أنَّ أولَكم وآخرَكم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ منكم ما نَقَصَ ذلكَ من مُلكي شيئاً والأولُ هو الأنسبُ بمقام التسليةَ والتعليل
{يُرِيدُ الله ألا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى الاخرة} استئنافٌ مبينٌ لسرّ ابتلائهم بما هُم فيه من الانهماك في الكفر وفي ذكر الإرادةِ من الإيذان بكمال خلوصِ الداعي إلى حرمانهم وتعذيبِهم حيث تعلّقت بهما إرادة أرحم الراحمين مالا يخفى وصيغةُ الاستقبالِ للدِلالة على دوام الإرادةِ واستمرارِها أي يريد الله بذلك أن لا يجعل لهم في الاخرة حظأ من الثواب ولذلك تركهم في طغيانهم يعمهون إلى أن يهلِكوا على الكفر
{وَلَهُمْ} مع ذلك الحِرمانِ الكى
{عَذَابٌ عظِيمٌ} لا يقادَرُ قَدرُه قيل ما دلت المسارعة في الشئ على عِظَم شأنِه وجلالةِ قدرِه عند المسارِعِ وُصف عذابُه بالعِظَم رعايةً للمناسبة وتنبيهاً على حقارة ما سارعوا فيه وخساستِه في نفسه والجملةُ إما مبتدَأةٌ مبيِّنةٌ لحظهم من العقاب إثر بيان أن لاشئ لهم من الثواب وإما حالٌ من الضمير في لهم أي يريد الله حِرمانَهم من الثواب مُعدّاً لهم عذابٌ عظيم