نِزاعَ فيها لأحد وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ومما وسع الله على هذه الأمةِ نكاحُ الأمةِ واليهوديةِ والنصرانيةِ وإن كان موسِراً وقولُه تعالى
{والله أَعْلَمُ بإيمانكم} جملة معترضة جئ بها لتأنيسهم بنكاح الإماءِ واستنزالِهم من رتبة الاستنكافِ منه ببيان أن مناطَ التفاضُل ومدارَ التفاخُرِ هو الإيمانُ دون الأحساب والأنسابِ على ما نطقَ به قولُه عز قائلا {يا أيها الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} والمعنى أنه تعالى أعلمُ منكم بمراتبكم في الإيمان الذي به تنتظِمُ أحوالُ العبادِ وعليه يدور فلَكُ المصالحِ في المعاش والمعادِ ولا تعلّقَ له بخصوص الحريةِ والرقِّ فرُبّ أمةً يفوق إيمانُها إيمانَ الحرائرِ وقولُه تعالى
{بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} إن أريد به الاتصالُ من حيث الدينُ فهو بيانٌ لتناسبهم من تلك الحيثيةِ إثرَ بيانِ تفاوتِهم في ذلك وإن أريد به الاتصالُ من حيث النسبُ فهو اعتراضٌ آخرُ مؤكدٌ للتأنيس من جهة أخرى والخطابُ في الموضعين إما لمن كما في الخطاب الذي يعقُبه قد روعيَ فيما سبق جانبُ اللفظ وههنا جانبُ المعنى والالتفاتُ للاهتمام بالترغيب والتأنيس وإما لغيرهم من المسلمين كالخِطابات السابقةِ لحصول الترغيبِ بخطابهم أيضاً وإياما كان فإعادةُ الأمرِ بالنكاح على وُجِّه الخطابِ في قولِه تعالَى
{فانكحوهن} مع انفهامه من قوله تعالى {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} حسبما ذُكر لزيادة الترغيبِ في نكاحهن وتقييدُه بقوله تعالى
{بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} وتصديرُه بالفاء للإيذان بترتبه على ما قبله أي وإذْ قد وقفتم على جلية الأمرِ فانكِحوهن بإذن مواليهن ولاتترفعوا عنهن وفي اشتراط إذنِ الموالي دون مباشرتِهم للعقد إشعارٌ بجواز مباشرتِهن له
{وآتوهنَّ أجُورَهُنَّ} أي مهورَهن
{بالمعروف} متعلقٌ بآتوهن أي أدّوا إليهن مهورَهن بغير مَطْلٍ وضِرارٍ وإلجاءٍ إلى الاقتضاء واللزِّ حسبما يقتضيه الشرعُ والعادةُ ومن ضرورته أن يكون الأداءُ إليهن بإذن الموالي فيكونُ ذكرُ إيتائِهن لبيان جوازِ الأداءِ إليهن لا لكون المهورِ لهن وقيل أصلُه آتُوا موالِيَهن فحُذف المضافُ وأُوصل الفعلُ إلى المضاف إليه
{محصنات} حال من مفعول فانكِحوهن أي حال كونِهن عفائفَ عن الزنا
{غَيْرَ مسافحات} حالٌ مؤكدةٌ أي غيرَ مجاهراتٍ به
{وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} عطفٌ على مسافحات ولا لتأكيد ما في غَيْرِ من معنى النفى الخدن الصاحُب قال أبو زيد الأخدن الأصدقاءُ على الفاحشة والواحد خِدنٌ وخَدين والجمعُ للمقابلة بالانقسام على معنى ان لا يكونَ لواحدة منهن خِدنٌ لا على مَعْنى أنَّ لا يكونَ لها أخدانٌ أي غيرَ مجاهراتٍ بالزنا ولا مُسِرّاتٍ له وكان الزنا في الجاهلية منقسماً إلى هذين القسمين
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي بالتزويج وقرئ على البناء للفاعل أي أحصن فروجهن أو أزواجَهن
{فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة} أي فعلْن فاحشةً وهى الزنا
{فعليهن} فثابت عليهن شرعاً
{نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} أي الحرائرِ الأبكارِ
{مّنَ العذاب} من الحد الذي هو جَلدُ مائةٍ فنصفُه خمسون كما هو كذلك قبل الإحصانِ فالمرادُ بيانُ عدمِ تفاوتِ حدِّهن بالإحصان كتفاوت حدِّ الحرائرِ فالفاءُ في فَإِنْ أَتَيْنَ جواب إذا والثانيةُ جوابُ إنْ والشرطُ الثاني مع جوابه مترتبٌ على وجود الأولِ كما في قولك إذا أتيتَني فإنْ لم أكرِمْك فعبدي حرٌّ
{ذلك} أي نكاحُ الإماءِ
{لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} أي لمن خاف وقوعَه في الإثم الذي تؤدّي إليه غلبةُ الشهوةِ وأصلُ العنَتِ انكسارُ العظْمِ بعد الجبْرِ فاستُعير لكل مشقةٍ وضررٍ يعتري الإنسانَ بعد