للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الفعل هو أنفُسُ الأفعال الخاصة لازمةً كانت أو متعديةً من غير اعتبارِ تعلقاتِها بمفعولاتها الخاصة فإذا عُلِّق بفعل خاصَ متعدَ فإنما يُقصَدُ به إيقاعُ نفس الفعل وإخراجُه من القوةِ إلى الفعلِ وأما تعلقُه بمفعوله المخصوصِ فهو خارج عن مدلول الفعلِ المطلقِ وإنما يستفاد ذلك من الفعل الخاص ولذلك تراهم يتوسلون بذلك إلى تجريد الأفعالِ المتعديةِ عن مفعولاتها وتنزيلِها منزلةَ الأفعالِ اللازمة فيقولون مثلاً معنى فلانٌ يُعطي ويَمنعُ يفعل الإعطاء والمنع يرشدك إلى هذا قولِهُ تَعَالى {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِى وَلَا تَقْرَبُونِ} بعد قوله تعالى {ائتونى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ} فإنه لما كان مقصودُ يوسفَ عليه السلام بالأمر ومَرْمَى غرضِه بالتكليف منه استحضارَ بنيامين لم يكتفِ في الشرطية الداعية لهم إلى الجِد في الامتثال والسعْيِ في تحقيق المأمورِ به بالإشارة الإجماليةِ إلى الفعل الذي ورد به الأمر بأن يقول فإن لم تفعلوا بل أعاده بعينه متعلقاً بمفعوله تحقيقاً لمطلبه وإعراباً عن مقصِده هذا وقد قيل أُطلق الفعلُ وأريد به الإتيانُ مع ما يتعلق به إما على طريقة التعبير عن الأسماء الظاهرةِ بالضمائر الراجعةِ إليها حذراً من التكرار أو على طريقة ذكر اللازمِ وإرادةِ الملزوم لما بينهما من التلازمِ المصححِ للانتقال بمعونة قرائنِ الحال فتدبروا إيثار كلمة إنْ المفيدةِ للشك على إذا مع تحقُّق الجزم بعدم فعلِهم مجاراةٌ معهم بحسَب حُسبانهم قبل التجربة أو التهكمُ بهم

{وَلَن تَفْعَلُواْ} كلمة لن لنفي المستقبلِ كَلَا خلا أن في لن زيادةَ تأكيدٍ وتشديد وأصلُها عند الخليل لاإن وعند الفراء لا أُبدلت ألفُها نوناً وعند سيبويه حرفٌ مقتَضَبٌ للمعنى المذكور وهي إحدى الروايتين عن الخليل والجملة اعتراضٌ بين جزأي الشرطية مقرِّر لمضمون مُقدَّمِها ومؤكِّدٌ لإيجاب العمل بتاليها وهذه معجزة باهرةٌ حيث أُخبر بالغيب الخاصِّ علمه به عز وجل وقد وقع الأمر كذلك كيف لا ولو عارضوه بشيءٍ يُدانيه في الجملة لتناقَلَه الرواةُ خلفاً عن سلف

{فاتقوا النار} جوابٌ للشرط على أن اتقاءَ النار كناية عن الاعتراز من العِناد إذ بذلك يتحقق تسبُّبه عنه وترتُبه عليه كأنه قيل فإذا عجَزتم عن الإتيان بمثله كما هو المقررُ فاحترزوا من إنكار كونِه منزَّلاً من عند الله سبحانه فإنه مستوجِبٌ للعقاب بالنار لكنْ أوثر عليه الكنايةُ المذكورة المبنيةُ على تصوير العنادِ بصورة النارِ وجُعل الاتصافُ به عينَ الملابسة بها للمبالغة في تهويل شأنِه وتفظيعِ أمرِه وإظهارِ كمال العنايةِ بتحذير المخاطبين منه وتنفيرِهم عنه وحثِّهم على الجد في تحقيق المكنِي عنه وفيه من الإيجاز البديع مالا يخفى حيث كان الأصلُ فإن لم تفعلوا فقد صح صِدْقُه عندكم وإذا صح ذلك كان لزومُكم العنادَ وتركُكم الإيمانَ به سببا لاستحقاكم العقاب بالنار فاحتزروا منه واتقوا النار

{التى وَقُودُهَا الناس والحجارة} صفةٌ للنار مُورثةٌ لها زيادةَ هولٍ وفظاعةٍ أعاذنا الله من ذلك والوَقودُ ما يوقد به النارُ وتُرفع من الحطب وقرئ بضم الواو وهو مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ مبالغةً كما يقال فلان فخرُ قومِه وزَيْنُ بلدِه والمعنى أنها من الشدة بحيث لاتمس شيئاً من رَطْبٍ أو يابس إلا أحرقته لا كنيران الدنيا تفتقرفي الالتهاب إلى وَقودٍ من حطب أو حشيش وإنما جُعل هذا الوصفُ صلةً للموصول مقتضيةً لكون انتسابها إلى ما نسبت هي إليه معلوم للمخاطَب بناءً على أنهم سموه من أهل الكتاب قبل ذلك أو من الرسول صلى الله عليه وسلم أو سمِعوا قبل هذه الآية المدنية قولَه تعالى {نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} فأُشير ههنا إلى ما سمعوه أولاً وكونُ سورةِ التحريم مدنيةً لا يستلزِمُ كون

<<  <  ج: ص:  >  >>