ولما ذكر الإمام جمال الدين بن مالك في "شرحه للتسهيل" قولَ من شرط تقدير "قد" في ذلك إن لم تكن ظاهرة، قال: هذه دعوى لا تقوم عليها حجة؛ لأن الأصل عدم التقدير، ولأن وجود الفعل مع "قد" المشار إليها لا يزيد معنى على ما يفهم منه إذا لم توجد، وحق المحذوف المقدر ثبوته أن يدل على معنى لا يفهم بدونه.
فإن قيل:"قد" تدل على التقريب، قلنا: دلالتها على ذلك مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية. إلى هنا كلامه.
قال الشيخ بدر الدين بن قاسم في "شرحه للتسهيل": وممن ذهب إلى اشتراط "قد" ظاهرةً أو مقدرةً: الفَرَّاء، وأبو علي، والمبرِّد، وجماعةٌ من المتأخرين؛ كالجَزُولي، وابن عُصفور، والأُبَّدي، والمختار: أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لكثرة ما ورد من ذلك. هذا نص كلامه.
وإذا كان كذلك، فللباعث (١) أن يقول بهذا المذهب، ولا يتعين للخصم الترجيح من حيث اللفظ بما ذكره، وما قبله في الشرح في تقدير "قد" ليس على معنى الاختيار له والتزام صحته، وإنما هو مبني على رأي من ذهب إلى ذلك، فلا منافاة بين ما هنالك، وما هنا.
ثم قال: وأما معنًى، فلإفادته المبالغة.
وأقول: إنما يتم هذا أن لو كان الفعل المذكور غيرَ مقيد بما يفيد المبالغة في الإخفاء، والغرض خلافه؛ فإنه قد قيد بقوله:"حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، فالمبالغة في الإخفاء حاصلة بغير طريق التفضيل؛