للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: هذا عجيب منه؛ أجازَ ما المانعُ منه قائمٌ، ومنعَ ما لا مانعَ منه! وذلك أن من شروط زيادة "من" أن يكون مجرورها نكرة، وهو في الحديث معرفة، هذا المذهب هو المعول عليه، وهو مذهب البصريين؛ خلافًا للأخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيض، فلا يظهر لمنعه وجه؛ إذ المعنى: أن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البر (١).

قال مقلد خطباء الهند. تقدير "معدودًا" ليس فيه توجيهُ كونها للتبعيض، ولا يتعلق به غرض، فلو قلت: أخذت من المال، قدَّرت: أخذت بعضَ المال، وما احتجت إلى تقدير شيء.

وأقول: وقع في "شرح الحاجبية" لنجم الأئمة الرضي الإستراباذي ما نصه: ومثال التبعيض: أخذت من الدراهم، والمفعول الصريح محذوف؛ أي: أخذت من الدراهم شيئًا. انتهى.

وهذا منافٍ لقول المعترض: "وما احتجت إلى تقدير شيء"، وكيف لا يحتاج، والفعل المذكور متعدٍّ بنفسه إلى مفعول، فحيث لا يذكر ذلك المفعول، يقدر؛ وفاءً لحق التعدية.

نعم، إن ترك ذلك المتعدي منزلة اللازم كما في: يدٍ تعطي، لم يقدر له مفعول؛ إذ المقدر كالمذكور، فتقديره ينافي الغرض، وقولك: "من الدراهم" حينئذٍ متعلق بأخذت، فلذلك يستغنى به، ولا يقدَّر شيء.

وأما في: "ليس من البِرِّ الصومُ في السَّفَر"، فلا بد أن يكون "من البر" متعلقًا بشيءٍ محذوفٍ؛ ضرورةَ أن الكلام لا يستقل بدون تقديره؛ على ما عُرف في شأن الظرف المستقر، فذكر المتعلق، وهو قولنا:


(١) انظر: "مصابيح الجامع" (٤/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>