صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه. وظن أن معاوية سيزيده الشام مع مصر فلم يفعل معاوية. فتنكر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميز الناس وظنوا أنه لا يجتمع أمرهما.
فدخل بينهما معاوية بن حديج فأصلح أمرهما وكتب بينهما كتابا وشرط فيه شروطا لمعاوية وعمرو خاصة وللناس عليه. وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين. وعلى أن على عمرو السمع والطاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك وأشهدا عليهما به شهودا.
ثم مضى عمرو بن العاص على مصر واليا عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين.
فو الله ما مكث بها إلا سنتين أو ثلاثا حتى مات.
قال: أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم الشيباني النبيل قال: حدثنا حيوة بن شريح قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فحول وجهه إلى الحائط يبكي طويلا وابنه يقول له: ما يبكيك؟ أما بشرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا؟ أما بشرك بكذا؟ قال وهو في ذلك يبكي ووجهه إلى الحائط. قال ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: إن أفضل مما تعد على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني قد كنت على أطباق ثلاث. قد رأيتني ما من الناس من أحد أبغض إلي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحب إلي من أن أستمكن منه فاقتله. فلو مت على تلك الطبقة لكنت من أهل النار. ثم جعل الله الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبايعه فقلت: ابسط يمينك أبايعك يا رسول الله. قال فبسط يده ثم إني قبضت يدي فقال: ما لك يا عمرو؟ قال فقلت:
أردت أن أشترط. فقال: تشترط ماذا؟ فقلت: أشترط أن يغفر لي. فقال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ فقد رأيتني ما من الناس أحد أحب إلي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه. ولو سئلت أن أنعته ما أطقت لأني لم أكن أطيق أن أملأ عيني إجلالا له.
فلو مت على تلك الطبقة رجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء بعد فلست أدري ما أنا فيها أو ما حالي فيها. فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فسنوا على التراب سنا. فإذا فرغتم من قبري فامكثوا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها فإني أستأنس بكم حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي.
قال: أخبرنا روح بن عباده قال: حدثنا عوف عن الحسن قال: بلغني أن عمرو بن العاص لما كان عند الموت دعا حرسه فقال: أي صاحب كنت لكم؟ قالوا: