بالمدينة لزم مالك بيته. فلم يخرج منه حتى قتل محمد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني. فدخلت عليه فحادثته. وسألني فأجبته. فقال: إني قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها- يعني الموطأ- فتنسخ نسخا. ثم ابعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة. وآمرهم أن يعلموا بما فيها لا يتعدوه إلى غيره. ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدث. فإني رأيت أصل العلم رواية المدينة وعلمهم. قال فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا. فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل. وسمعوا أحاديث. ورووا روايات. وأخذ كل قوم بما سبق إليهم.
وعلموا به. ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم. وإن ردهم عما قد اعتقدوه شديد.
فدع الناس وما هم عليه. وما اختار كل أهل بلد منهم لأنفسهم فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به.
قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: لما دعي مالك بن أنس وشوور وسمع منه وقبل قوله. شنف الناس له وحسدوه وبغوه بكل شيء. فلما ولي جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به إليه. وكثروا عليه عنده. وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء.
وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت الأحنف. في طلاق المكره أنه لا يجوز. فغضب جعفر بن سليمان. فدعا بمالك. فاحتج عليه بما رقى إليه عنه. ثم جرده ومده وضربه بالسياط. ومدت يده حتى انخلع كتفاه وارتكب منه أمر عظيم. فو الله ما زال بعد ذلك الضرب في رفعه عند الناس وعلو من أمره وإعظام الناس له. وكأنما كانت تلك السياط التي ضربها حليا حلى بها.
قال: وكان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى. ويقضي الحقوق. ويجلس في المسجد. ويحتج إليه أصحابه. ثم ترك الجلوس في المسجد. وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله وترك شهود الجنائز. فكان يأتي أصحابها فيغريهم ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة. ولا يأتي أحدا يعزيه ولا يقضي له حقا. واحتمل الناس ذلك كله له. وكانوا أرغب ما كانوا فيه وأشده له تعظيما حتى مات على ذلك. وكان ربما كلم في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره.
قال: وكان مالك يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطرحة يمنه ويسره