ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير. وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة. وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة. فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما ويغدو خالد بن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوما ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما. فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ويقدمون رماتهم فيرمون. فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله فقال: خذها وأنا ابن العرقة! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:، عرق الله وجهك في النار!، ويقال: الذي رماه أبو أسامة الجشمي. ثم أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يوما فغدوا جميعا ومعهم رؤساء سائر الأحزاب وطلبوا مضيقا من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فلم يجدوا ذلك وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها. فقيل لهم: إن معه رجلا فارسيا أشار عليه بذلك. قالوا: فمن هناك إذا! فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب وعمرو بن عبد ود. فجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز ويقول:
ولقد بححت من النداء … لجمعهم: هل من مبارز؟
وهو ابن تسعين سنة. فقال علي بن أبي طالب: أنا أبارزه يا رسول الله. فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفه وعممه وقال:، اللهم أعنه عليه،. ثم برز له ودنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غبرة وضربة علي فقتله وكبر. فعلمنا أنه قد قتله وولى أصحابه هاربين وظفرت بهم خيولهم. وحمل الزبير بن العوام علي نوفل بن عبد الله بالسيف فضربه فشقه باثنين. ثم اتعدوا أن يغدوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم وفرقوا كتائبهم ونحوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا من موضعهم ولا صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ظهرا ولا عصرا ولا مغربا ولا عشاء حتى كشفهم الله فرجعوا متفرقين إلى منازلهم وعسكرهم وانصرف المسلمون إلى قبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأقام أسيد بن الحضير على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة من المسلمين. فناوشوهم ساعة ومع المشركين