قلنا: إن تكن مسلما لم يضررك رباطنا يوما وليلة. وإن تكن على غير ذلك نستوثق منك. قال: فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا منا أسود فقلنا: إن نازعك فاحتز رأسه! فسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس فكمنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت عليهم فيه علوت على رأسه ثم اضطجعت عليه قال: فإني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له فقال لامرأته: إني أرى على هذا الجبل سوادا ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا. قال:
فنظرت فقالت: والله ما أفقد من أوعيتي شيئا. قال: فناوليني قوسي ونبلي. فناولته قوسه وسهمين معها. فأرسل سهما فو الله ما أخطأ بين عيني. قال: فانتزعته وثبت مكاني ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته فوضعته وثبت مكاني. فقال لامرأته:
والله لو كانت ربيئة لقد تحركت بعد! والله لقد خالطها سهماي لا أبا لك! فإذا أصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب. قال: ثم دخل وراحت الماشية من إبلهم وأغنامهم. فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم. قال:
فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به. فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا. فأدركنا القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي ونحن موجهون في ناحية الوادي إذ جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبتيه ماء. والله ما رأينا يومئذ سحابا ولا مطرا فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندناها في المسيل. هكذا قال. وأما في رواية محمد بن عمر قال: أسندناها في المشلل نحدرها وفتناهم فوتا لا يقدرون فيه على طلبنا. قال: فما أنسى قول راجز من المسلمين وهو يقول:
أبى أبو القاسم أن تعز بي … في خضل نباته مغلولب
صفر أعاليه كلون المذهب
وزاد محمد بن عمر في روايته:
وذاك قول صادق لم يكذب
قال: فكانوا بضعة عشر رجلا. قال عبد الوارث: وحدثني هذا الحرف رجل عن محمد بن إسحاق أنه حدثه رجل من أسلم أنه كان شعارهم يومئذ: أمت أمت.