أضن به من ذلك وما عليك أن تدعه فيكون في أخواله حتى يكون هو الذي يقدم عليك إلى ما ههنا راغبا فيك. فقال المطلب: يا أبا أوس ما كنت لأدعه هناك ويترك مآثر قومه وسطته ونسبه وشرفه في قومه ما قد علمت. فخرج المطلب فورد المدينة فنزل في ناحية وجعل يسأل عنه حتى وجده يرمي في فتيان من أخواله. فلما رآه عرف شبه أبيه فيه ففاضت عيناه وضمه إليه وكساه حلة يمانية وأنشأ يقول:
عرفت شيبة والنجار قد حفلت … أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
عرفت أجلاده منا وشيمته … ففاض مني عليه وابل سبل
فأرسلت سلمى إلى المطلب فدعته إلى النزول عليها. فقال: شأني أخف من ذلك. ما أريد أن أحل عقده حتى أقبض ابن أخي وألحقه ببلده وقومه. فقالت: لست بمرسلته معك. وغلظت عليه. فقال المطلب: لا تفعلي فإني غير منصرف حتى أخرج به معي. ابن أخي قد بلغ وهو غريب في غير قومه ونحن أهل بيت شرف قومنا.
والمقام ببلده خير له من المقام ههنا وهو ابنك حيث كان. فلما رأت أنه غير مقصر حتى يخرج به استنظرته ثلاثة أيام. وتحول إليهم فنزل عندهم فأقام ثلاثا ثم احتمله وانطلقا جميعا. فأنشأ المطلب يقول كما أنشدني هشام بن محمد عن أبيه:
أبلغ بني النجار إن جئتهم … إني منهم وابنهم والخميس
رأيتهم قوما إذا جئتهم … هووا لقائي وأحبوا حسيسي
ثم رجع الحديث إلى حديث محمد بن عمر. قال: ودخل به المطلب مكة ظهرا. فقالت قريش: هذا عبد المطلب. فقال: ويحكم! إنما هو ابن أخي شيبة بن عمرو. فلما رأوه قالوا: ابنه لعمري! فلم يزل عبد المطلب مقيما بمكة حتى أدرك.
وخرج المطلب بن عبد مناف تاجرا إلى أرض اليمن فهلك بردمان من أرض اليمن.
فولي عبد المطلب بن هاشم بعده الرفادة والسقاية. فلم يزل ذلك بيده يطعم الحاج ويسقيهم في حياض من أدم بمكة. فلما سقي زمزم ترك السقي في الحياض بمكة وسقاهم من زمزم حين حفرها. وكان يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم. وكانت زمزم سقيا من الله. أتي في المنام مرات فأمر بحفرها ووصف له موضعها فقيل له: احفر طيبة. قال: وما طيبة؟ فلما كان الغد أتاه فقال: احفر برة. قال: وما برة؟ فلما كان الغد أتاه وهو نائم في مضجعه ذلك فقال: احفر المضنونة. قال: وما المضنونة؟ ابن لي ما تقول.
قال: فلما كان الغد أتاه فقال: احفر زمزم. قال: وما زمزم؟ قال: لا تنزح ولا تذم.