وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ خِلَافٌ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ حِلَّهَا لِأَقْرِبَائِهِمْ لَا لَهُمْ (وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَ) غَلَّةُ (الْأَوْقَافِ لَهُمْ) أَيْ لِبَنِي هَاشِمٍ، سَوَاءٌ سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ أَوْ لَا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ إنْ سَمَّاهُمْ جَازَ، وَإِلَّا لَا.
قُلْت: وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهَلْ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَا بَلْ تَحِلُّ لِقَرَابَتِهِمْ فَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ لِقَرَابَةِ نَبِيِّنَا إكْرَامًا وَإِظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى ذِمِّيٍّ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ (وَجَازَ) دَفْعُ (غَيْرِهَا وَغَيْرِ الْعُشْرِ) وَالْخَرَاجِ (إلَيْهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَلَوْ وَاجِبًا كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِطْرَةٍ
ــ
[رد المحتار]
فِي حَقِّ حِلِّ الصَّدَقَةِ وَحُرْمَتِهَا لَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُمْ وَأَنَّ مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْمُضَاعَفَةُ بَلْ الْجِزْيَةُ نَهْرٌ.
قُلْت: سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ مُعْتَقَ الْوَضِيعِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِمُعْتَقَةِ الشَّرِيفِ (قَوْلُهُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ لِبَاقِيهِمْ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هُوَ اعْتِمَادٌ لِثَانِي الْقَوْلَيْنِ الْآتِي نَقْلُهُمَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلْنَ فِي الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ. ثُمَّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ إلَخْ) قُيِّدَ بِهَا لِيَخْرُجَ بَقِيَّةُ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا خُمُسَ الرِّكَازِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) أَقُولُ: نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ إجْمَاعًا وَذُكِرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ، وَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِحُرْمَةِ التَّطَوُّعِ عَلَيْهِمْ، وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. اهـ.
قُلْت: وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَقَّ إجْرَاءُ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ وَوُجُوبَ الدَّفْعِ عَلَى النَّاظِرِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِيرُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْوَاقِفِ وَنَقَلَ ح عِبَارَتَهُ بِطُولِهَا.
وَحَاصِلُهَا تَرْجِيحُ مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالنَّافِلَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ وَأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ لَكِنْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ كَتَبَ عَلَيْهَا ح بِزِيَادَةٍ. وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَبِهَا يَصِحُّ الْكَلَامُ وَسَقَطَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ) أَيْ الشَّيْخُ صَالِحٌ الْغَزِّيِّ بْنُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا الْبِيرِيُّ شَارِحُ الْأَشْبَاهِ، وَالضَّمِيرُ إلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ: مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا سَمَّاهُمْ وَبِعَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ كَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ صَدَقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى فُقَرَائِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَصِلَةً لَا صَدَقَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ أَغْنِيَاءَ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: لَوْ قَالَ مَالِي لِأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يُحْصَوْنَ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ وَيُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِتَكَرُّرِهِ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ مُعَاذٍ) أَيْ الْمَارِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُكَاتَبٌ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَغْنِيَائِهِمْ يَرْجِعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَا فِي فُقَرَائِهِمْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْعُشْرِ) فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالزَّكَاةِ وَلِذَا سَمَّوْهُ زَكَاةَ الزَّرْعِ، وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَلَيْسَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي الْكَلَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute